تحاليل _ تحاليل سياسية _ أمريكا: استعدادات عسكرية ورسائل سياسية. |بقلم: سلام السعدي*.
بعد أيام من استهداف القاعدة الجوية العسكرية السورية في الشعيرات بصواريخ توماهوك، أسقط الجيش الأميركي القنبلة الأضخم والتي لم يسبق استخدامها والمعروفة باسم “أم القنابل” في شرق أفغانستان، مستهدفا مركز تدريب لتنظيم داعش.
وبذلك يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب اختبار واستعراض قدرات بلاده العسكرية، موجّها الرسائل إلى أطراف عديدة، تشمل إيران وكوريا الشمالية وروسيا.
بالتأكيد، يمكن اعتبار استخدام “أم القنابل” مرتبطا بوعود الرئيس الأميركي في حملته الانتخابية باتباع نهج أكثر تشددا وفاعلية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
كما يمكن المجادلة بأن العملية مرتبطة بسلسلة من النكسات التي واجهها الرئيس الجديد في البيت الأبيض. إذ منعت المحاكم الفيدرالية تنفيذ قراره بحظر السفر على مـواطني سبع دول ذات غالبية مسلمـة، وفشل تشريع إصلاح النظام الصحي، فيما غزت الفضـائح أعضاء فريقه ودفعت مستشار الأمن القومي مايكل فلين إلى الاستقالة.
الأهم ربما أن الإدارة الأميركية الجديدة تخضع لتحقيقات التنسيق مع روسيا للتأثير على نتيجة الانتخابات. حيث أدى كل ذلك إلى تراجع شعبية الرئيس لنحو 35 بالمئة فقط، وهو أمر لم يحدث أبدا مع أي رئيس سابق خلال المئة يوم الأولى من ولايته.
الضربات العسكرية الأميركية بهذا المعنى حدثت وستستمر في الحدوث، لمواصلة صرف الانتباه عن الأزمات السياسية الداخلية.
ورغم صحة كل ما سبق، إلا أن استخدام القدرات الهائلة للجيش الأميركي ليس مقتصرا على هذه الإدارة، بل يعتبر تقليدا أميركيا تحافظ عبره الولايات المتحدة على موقع مهيمن، وعلى استقرار نظام عالمي محـاب لتلك الهيمنة. ورغم ندرة أعمال الغزو العسكري الواسع، لكن العمليات العسكرية الصغيرة والغارات الجوية وإسقاط القنابل تواصلت على مدار العقود الماضية لتحقيق أهداف عسكرية وسياسية في آن واحد.
قبل الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، الذي اندفع لغزو العراق وأفغانستان، قصفت إدارة بيل كلينتون العراق، وقبلها قام جورج بوش الأب بذلك.
الرئيس السابق باراك أوباما، الذي جاء للبيت الأبيض بوعود الامتناع عن استخدام القوة العسكرية وانتهاج وسائل سياسية، نفّذ أكبر عدد من الضربات الجوية والاغتيالات باستخدام طائرات من دون طيار في سبـع دول هي سوريا والعـراق والصومال وأفغانستان وباكستان واليمن وليبيا.
أولى الرسائل السياسية لإدارة دونالد ترامب تبدو موجهة إلى سوريا.
الصواريخ الأميركية التي ضربت قاعدة جوية للنظام السوري أظهرت أن الولايات المتحدة قادرة على التدخل في أي لحظة، وأن ذلك التدخل يمكن أن يغيّر من قواعد اللعبة. هناك خطط تدرسها الإدارة الأميركية لرفع تعداد قواتها العسكرية في سوريا بشكل نوعي.
يجري الحديث عن أعداد تتراوح بين 10 آلاف و50 ألف جندي أميركي. ورغم أن الرئيس الأميركي بدا غير متحمّس لذلك، فإن مجرد وضع سيناريوهات مشابهة يمكن أن يربك الحسابات الروسية.
الرسالة الأميركية الأخرى موجهة لروسيا في أفغانستان، وخصوصا بعد أن وردت تقارير كشفت عن قيام موسكو بتزويد حركة طالبان بالسلاح لشن هجمات على القوات الحكومية الأفغانية، وأيضا على قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) العاملة هناك.
الرسالة الأخرى هي لكوريا الشمالية التي تبدو ضمن قائمة أولويات الرئيس الأميركي خصوصا بعد ورود تقارير تؤكد عزمها إجراء تجربة نووية جديدة. ورغم أنها تمتلك نظريا قنبلة نووية، لكنها تفتقد لتقنية تحميلها على صواريخ بعيدة المدى. هذا هو الخطر الذي تتعامل معه الولايات المتحدة خصوصا أن بيونغ يانغ أجرت تجربة لتطوير الصواريخ الباليستية قبل نحو شهرين.
ليست العلاقة العدائية بين البلدين فقط هي ما يرفع من حدة الخطر، وإنما الانغلاق والسرية الشديدان اللذان تتمتع بهما كوريا الشمالية والطبيعة غريبة الأطوار لقائدها الشاب. يزيد كل ذلك من مخاوف انتشار السلاح النووي لدول أخرى ذات علاقات جيّدة مع كوريا الشمالية.
الأمر مماثل مع إيران، وإن كانت تعتبر أكثر انفتاحا في نظـر الولايات المتحدة ويمكن نسج علاقات مستقرة معها. ولكن وجود إسرائيل يجعل الخطر الإيراني محدقا أيضا.
التفاوض ليس خيارا استراتيجيا لكل الأطراف، إذ تستخدمه كوريا الشمالية وإيران لشراء الوقت وتحقيق المزيد من التقدم في تطوير قدراتهما النووية التي تعتبر أهم وسيلة للبقاء.
بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن التفاوض هو لشراء الوقت أيضا وتجنب تكلفة مرعبة لأي حرب يمكن أن تندلع مع هذين البلدين.
ربما تبدو القدرات العسكرية لكوريا والشمالية وإيران شديدة التواضع مقارنة بنظيرتهما الأميركية، ولكنها هائلة إذا ما قيست بحجم الخسائر والدمار الذي يمكن أن تحدثه في منطقتين تختنقان بالكثافة السكانية.
الضريبة الباهظة لاستخدام القوة جعلت الولايات المتحدة تعول على التغيير من الداخل، وهو ما يبدو متعذرا. يجعل ذلك سيناريو الهجوم العسكري التقليدي لتدمير القدرات العسكرية الكورية والإيرانية دائم الحضور في الحسابات الأميركية.
لذلك تنشر الولايات المتحدة بصورة دائمة نحو 30 ألف جندي في كوريا الجنـوبية، وتعمل على تطـوير أسلحة جديدة، مماثلة لـ“أم القنابل” قد تساعدها في تنفيذ ذلك الهجوم الذي يبدو قادما في يوم ما.
—————————————————————————————————————
* كاتب فلسطيني سوري.