تحاليل _ تحاليل سياسية _ الإخوان وفكرة حّل التنظيم.. جدل الضرورات والمحظورات. |بقلم: هشام النجار*.
أجمع مراقبون على أن اقتحام البعض من قيادات وحلفاء جماعة الإخوان لملفات كان من قبل محظور إثارتها، كالجدل الدائر حول فكرة حل التنظيم، يعكس مدى عمق أزمة الجماعة، والرغبة في الخروج منها، ولو بإثارة أفكار كانت من قبل ضمن المحرمات والمحظورات.
وألمح البعض إلى أن هذه الأفكار، التي كانت قد طرحت سابقا من قِبل كتاب ومفكرين، من الوارد أن تكون قد مررها قادة نافذون بالجماعة في محاولة للهروب إلى الأمام والقفز على الأزمة الداخلية التي يعانيها التنظيم من جهة، وكخطوة لحل أزمة التنظيم مع الدولة والمجتمع من جهة أخرى.
هيثم أبوخليل، القيادي بجماعة الإخوان، أعاد نشر مقالات قديمة تعود إلى عام 2009 كتبها عصام العريان، أحد قادة الإخوان المسجونين، طرح فيها فكرة تفكيك التنظيم، واعتبر أبوخليل أن هذا الطرح يمثل أهم ما كتب العريان قبل أن تلتهمه طواحين التنظيم وتعقيداته خاصة مع دخوله مكتب الإرشاد.
وطالب أبوخليل بتنفيذ الفكرة، وقال إن “وجود التنظيم يترتب عليه النزوع إلى الغلو والتشدد بدلا من الوسطية والمرونة، والتنظيم عادة ما يدفع إلى الانغلاق والعزلة، فضلا عن قابليته لممارسة العنف في أي مرحلة، دفاعا عن وجوده إذا ما تعرض للخطر”.
وهذه الفكرة سبق أن طرحها في السابق البعض من قادة ومنظري الجماعة المتشددين، واستدعى أحدهم شعار جماعة الإخوان “الإسلام هو الحل” لينسج على منواله شعارا يضع التنظيمات أمام واقع إصلاح أوضاعها أولا قبل التفكير في إصلاح المجتمعات، وهو شعار “الحل هو الحل”، وكان منهم عبدالله النفيسي في الكويت وجاسر عودة في قطر وعبدالستار المليجي في مصر.
وبرأي هؤلاء، فإن تجاوز مرحلة التنظيمات والبدء في شراكة مع الدولة الوطنية هما سر نجاح “الإسلاميين” بالمغرب وتونس عندما مارسوا السياسة بتكاملية مع مختلف التيارات، وشددوا على صعوبة إدماج الإسلاميين في المجتمع طالما ظلت تنظيماتهم على شكلها وإطارها التقليدي الأبوي القبلي المنفصل عن الدولة ومصالحها العامة.
وحل التنظيمات لنفسها تلقائيا، ليس أمرا جديدا، وكان قد طُرح للنقاش منذ سنوات والآن يُعاد طرحه بقوة مع أزمة تنظيم الإخوان المستعصية بمصر، بالمقارنة مع نجاح كيانات محسوبة على الحالة الإسلامية في البعض من الدول العربية، يقل فيها الحضور التنظيمي لصالح العمل العام المفتوح.
وتعقيبا على مطالبات قيادات من الإخوان في الخارج بضرورة حل التنظيم نهائيا، أكد خبراء في شؤون الحركات الإسلامية، أن حل التنظيم لو تحقق، فسيكون خطوة تكتيكية مرحلية على خلفية الأزمة التي يحياها التنظيم، ولن يكون خيارا استراتيجيا أو معالجة بنيوية دائمة من شأنها زعزعة العلاقات البينية في جوهر بناء الجماعات الراديكالية بالدول العربية.
بحسب بعض المختصين، فإن جماعة الإخوان بمصر نجحت قبل عام 2011 في بناء تنظيم عملاق تتفاوت التقديرات بشأن عدد أعضائه ما بين مئة ألف إلى نصف مليون عضو عامل، يدفعون الاشتراكات المالية الشهرية وينتظمون في الأسر التي هي أصغر وحدة تنظيمية، ويعقدون لقاءات أسبوعية، إضافة إلى اجتذاب مؤيدين ومتعاطفين يزيد عددهم عدة مرات على عدد الأعضاء، لكن تلك التقديرات تأثرت بشكل كبير بعد صعود الإخوان للسلطة ثم عزلهم عنها.
الإخوان اختصروا مشروعهم في بناء تنظيم حديدي خارج القوانين المنظمة، وصاغوه على مثال الدولة نفسها، حتى في أدق تقسيماته الإدارية التي كانت تتفق مع التقسيمات الإدارية للدولة المصرية.
مكتب الإرشاد في الجماعة يوازي مجلس الوزراء، ومجلس شورى الجماعة يقوم بمهام البرلمان، ومكاتبها الإدارية بمثابة المحافظات، والمناطق تنطبق حدودها مع الدوائر الإدارية الانتخابية تماما، وهكذا صار التنظيم دولة داخل الدولة، بحيث أنه إذا احتاج (التنظيم)، وقت احتدام الصراع، إلى جيش وجهاز أمني يحميه قام بإنشائه، كما أنشؤوا ما عُرف بـ”جهاز أمن الدعوة” كوحدة استخباراتية لجمع المعلومات على غرار جهاز أمن الدولة المصري السابق (الأمن الوطني حاليا).
وحل التنظيمات لنفسها تلقائيا، ليس أمرا جديدا، وكان قد طُرح للنقاش منذ سنوات والآن يُعاد طرحه بقوة مع أزمة تنظيم الإخوان المستعصية بمصر، بالمقارنة مع نجاح كيانات محسوبة على الحالة الإسلامية في البعض من الدول العربية، يقل فيها الحضور التنظيمي لصالح العمل العام المفتوح.
وتعقيبا على مطالبات قيادات من الإخوان في الخارج بضرورة حل التنظيم نهائيا، أكد خبراء في شؤون الحركات الإسلامية، أن حل التنظيم لو تحقق، فسيكون خطوة تكتيكية مرحلية على خلفية الأزمة التي يحياها التنظيم، ولن يكون خيارا استراتيجيا أو معالجة بنيوية دائمة من شأنها زعزعة العلاقات البينية في جوهر بناء الجماعات الراديكالية بالدول العربية.
بحسب بعض المختصين، فإن جماعة الإخوان بمصر نجحت قبل عام 2011 في بناء تنظيم عملاق تتفاوت التقديرات بشأن عدد أعضائه ما بين مئة ألف إلى نصف مليون عضو عامل، يدفعون الاشتراكات المالية الشهرية وينتظمون في الأسر التي هي أصغر وحدة تنظيمية، ويعقدون لقاءات أسبوعية، إضافة إلى اجتذاب مؤيدين ومتعاطفين يزيد عددهم عدة مرات على عدد الأعضاء، لكن تلك التقديرات تأثرت بشكل كبير بعد صعود الإخوان للسلطة ثم عزلهم عنها.
الإخوان اختصروا مشروعهم في بناء تنظيم حديدي خارج القوانين المنظمة، وصاغوه على مثال الدولة نفسها، حتى في أدق تقسيماته الإدارية التي كانت تتفق مع التقسيمات الإدارية للدولة المصرية.
مكتب الإرشاد في الجماعة يوازي مجلس الوزراء، ومجلس شورى الجماعة يقوم بمهام البرلمان، ومكاتبها الإدارية بمثابة المحافظات، والمناطق تنطبق حدودها مع الدوائر الإدارية الانتخابية تماما، وهكذا صار التنظيم دولة داخل الدولة، بحيث أنه إذا احتاج (التنظيم)، وقت احتدام الصراع، إلى جيش وجهاز أمني يحميه قام بإنشائه، كما أنشؤوا ما عُرف بـ”جهاز أمن الدعوة” كوحدة استخباراتية لجمع المعلومات على غرار جهاز أمن الدولة المصري السابق (الأمن الوطني حاليا).
وأوضح مراقبون أن الوضع القائم وما آلت إليه الصراعات أخيرا في المشهد المصري يدفعان جماعة الإخوان إلى التمسك أكثر بتنظيمها وليس العكس، لأن التحول للعمل العام دون وجود “التنظيم”، سيفقد الجماعة ما كانت تناور به وتحفظ به قاعدتها الشعبية، سواء على مستوى الخطاب الأيديولوجي أو من خلال اجتذاب الجماهير عبر الخدمات الاجتماعية والخيرية.
لذلك استبعد خبراء أمنيون أن تقوم جماعة الإخوان بحل التنظيم من تلقاء نفسها، لأن المواجهة التي تخوضها الجماعة مع الحكومة المصرية تعطي الأولوية للحفاظ على نصرة الجماعة، وتجعل التماسك التنظيمي أولوية مطلقة، كثابت استراتيجي يعبر عن منهج متجذر في عقيدة الإخوان كجماعة تطرح نفسها بديلا كاملا للدولة بكل أجهزتها، ولذلك فإن المواجهة بينهما حتمية ومزاعم حل التنظيم تأتي غير منسجمة مع هذا السياق، إلا إذا وردت في إطار المناورات التكتيكية.
مصادر سياسية بالقاهرة، استبعدت أن تكون مثل هذه الخطوة محل حفاوة من أجهزة الدولة، أو من الأطياف السياسية والفكرية المصرية، وكشف سياسيون عن أن النظام المصري والبعض من القوى السياسية يهمهما بقاء جماعة الإخوان كما هي من دون تطوير، في إشارة إلى أن تلك الوضعية تعمق من عزلة الجماعة السياسية والمجتمعية.
بقاء الجماعة على حالتها التنظيمية المغلقة، يفقدها المرونة والقدرة على التأقلم السياسي والمجتمعي، بما يعزز من قدرة الحكومة وأجهزتها على محاصرتها وتحجيم دورها وتأثيرها في الشارع السياسي، بما يؤجل إلى أبعد مدى عودتها من جديد للتأثير في مجريات المشهد السياسي.
ألمح ماهر فرغلي، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية في تصريحات لـ”العرب”، إلى تغوّل الحزبية الدينية داخل جماعة الإخوان، وهو ما يجعلها عصية على التجديد، لافتا إلى أن جماعة الإخوان دفعت أتباعها إلى صراع طويل بدد كل طاقة للإصلاح حتى ألف أعضاء الجماعة لعبة “الحزبية والحركية”، وقدموا مصلحة التنظيم على أولوية الدعوة، فوقعوا في مصيدة القفص التنظيمي الذي ساد فيه العمل السياسي على الأخلاقي والسرية على العلنية.
وتعتبر الجماعة زيادة حجم التنظيم وأعداد أعضائه هدفها الأول، ورسخت في عقول أعضائها أن الحفاظ على قيادة التنظيم هو خدمة للإسلام ذاته.
وينظر خبراء إلى التنظيمات الراديكالية كأحد أهم محاضن التطرف الديني، فهي تمنح الفرد بيئة بديلة عن بيئته العائلية والاجتماعية، كخطوة أولى للقطع مع المجتمع بقيمه الحديثة، مثل الانفتاح والحريات الشخصية، وتضع تلك التنظيمات خطاب التطرف والأدبيات الجهادية في سياق الميل لتكوين هوية مضادة لما هو قائم، أكثر من كونه حبا في الدين وميلا للتدين.