تحاليل _ تحاليل سياسية _ احتدام الجدل حول الدّور المتبقي لهيئة الحقيقة والكرامة في تونس.
لم ينه رفض مجلس النواب التونسي التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة الجدل الدائر منذ أشهر حول مصيرها. وصوت البرلمان التونسي في وقت متأخر مساء الاثنين على عدم تمديد مهمة الهيئة.
وبعد جلستين شهدتا توترا السبت والاثنين، رفض النواب بغالبية 68 صوتا تمديد تفويض الهيئة الذي كان من المزمع أن ينتهي مبدئيا في 31 ماي وامتناع شخصين وعدم تصويت أيّ نائب لصالح التمديد.
وغادر العديد من النواب -من بينهم من هو من حزب النهضة الإسلامي- الجلسة قبل التصويت اعتراضا على “الشوائب” التي طالته، بحسب تعبيرهم.
وهيئة الحقيقة والكرامة مكلفة بكشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان الحاصلة منذ الأول من جوان 1955، أي بعد نحو شهر على حصول تونس على الحكم الذاتي من الاستعمار الفرنسي، حتى 31 ديسمبر 2013 و”مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وتعويض الضحايا ورد الاعتبار لهم”.
وتشمل هذه المرحلة فترات حكم الرئيس التونسي الأول الحبيب بورقيبة والرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وحكومات قادتها حركة النهضة بعد 2011.
لكن معارضين لرئيسة الهيئة سهام بن سدرين يتهمونها بالانحراف بمهام الهيئة خاصة بعد ما أثارته من جدل إثر تشكيكها في استقلال البلاد من المستعمر الفرنسي.
ونشرت الهيئة في موقعها الإلكتروني وثائق تشير إلى أن المستعمر الفرنسي قام بتكوين شركات منحها حقوق استغلال الحقول النفطية والمقاطع في إطار عقود استغلال أو رخص تفتيش لضمان وضع يد فرنسا على الثروات الباطنية لتونس.
وظهرت ردود أفعال متباينة بشأن قرار البرلمان، حيث انقسمت الأحزاب والمنظمات الوطنية بين مشيد بالقرار وآخر مندد به.
وقال النائب نذير بن عمّو (غير منتم) “إن التصويت لا قيمة له قانونيا ويعتبر باطلا وساقطا لعدم توفّر النصاب والعدد الأدنى من الأصوات (73 صوتا) ممّا يجعل الهيئة تواصل أعمالها بصفة عادية”.
واعتبر أنّ الطريقة التي اعتمد بها التصويت لا تتوفر في نص قانوني، وأن العدد الأدنى الذي يجب أن يكون متوفرا ليكون القرار صحيحا هو 73 صوتا، مشيرا إلى أنّ كل القرارات داخل المجلس تتخذ بأغلبية الأصوات شرط ألا يقل عدد الحاضرين عن ثلث المجلس.
أما نورالدين البحيري (حركة النهضة) فقد أشار إلى أنّ موقف الحركة من قرار هيئة الحقيقة والكرامة التمديد لأعمالها كان واضحا إثر قراءتها لأحكام الفصل 18 من قانون العدالة الانتقالية الذي يعطي الهيئة سلطة اتخاذ القرار مع تعليله ولا يعطي لأي سلطة أخرى حق التدخل برفضه أو قبوله.
وأكد أنه ليس للبرلمان حق النظر في قرارات الهيئات المستقلة وأن التدخّل في شؤونها بمثل هذه القرارات يشكّل نوعا من المساس باستقلاليتها ويضعها موضع شك وتساؤل.
وتنص المادة 18 من قانون العدالة الانتقالية الصادر في 2013 على أن “مدة عمل الهيئة حددت بأربع سنوات بداية من تاريخ تسمية أعضائها (مايو 2014) قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة سنة بقرار معلل من الهيئة يرفع إلى المجلس المكلف بالتشريع قبل ثلاثة أشهر من نهاية مدة عملها”.
وانقسمت الأطراف السياسية بشأن هذه المادة حيث تعتبر بن سدرين وأنصارها أن المادة لا تنص على ضرورة تصويت مجلس النواب على قرار الهيئة بالتمديد وإنما الاستماع إليها فحسب، أما معارضوها فيصرون على ضرورة تصويت المجلس على القرار.
وأصدرت المحكمة الإدارية الاثنين حكما يلزم هيئة الحقيقة والكرامة بتمرير قرارها التمديد في عملها لمدة سنة على البرلمان للتصويت والمصادقة عليه مؤكدة أن الهيئة لا يمكنها اتخاذ قرار التمديد بصفة أحادية.
واعتبرت الأحزاب السياسية الداعمة لاستمرار أعمال الهيئة لمدة عام آخر، أن تصويت البرلمان استهدف تعطيل مسار العدالة الانتقالية والتغطية على فساد الأنظمة السابقة.
وقال حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، في بيان أصدره الثلاثاء إن ”ما وقع في مجلس النواب قد كشف نهائيا أقنعة المنظومة القديمة وأثبت خطأ وتواطؤ كل من راهن عليها بذريعة ضمان استقرار البلاد والتقدم في الانتقال الديمقراطي على حساب استحقاقات الثورة ومصلحة الوطن”.
في المقابل أكّد منجي الحرباوي القيادي في حزب نداء تونس أنه إثر عرض قرار مجلس الهيئة التمديد لنفسها على الجلسة العامة تم التصويت بعدم التمديد للهيئة لعدم حصولها على 109 أصوات لفائدة القرار.
وقال ”إن الهيئة اليوم تعتبر في خانة غير الموجودة بسبب انتهاء أشغالها آليا وإن حركة نداء تونس وشركائها من الكتل البرلمانية التي تؤمن بعدالة انتقالية محايدة نزيهة قادرة على رد الحقيقة والمظالم وبلوغ المصالحة الحقيقية ستتقدم بمبادرة تشريعية لاستكمال مسار العدالة الانتقالية”.
وقالت حركة نداء تونس في بيان عقب رفض التمديد للهيئة إن مسار العدالة الانتقالية لا يجب اختصاره في بن سدرين.
وأكدت أنها ستتقدم في أقرب الآجال ، وبعد التشاور مع بقية الكتل البرلمانية، بمشروع قانون أساسي لمواصلة مسار العدالة الانتقالية بعد أن زالت عنها الانحرافات وذلك احتراما لمبادئ الدستور والعدل والإنصاف وحقوق الإنسان، بغية تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة في أقرب الأوقات.
أما الكتلة البرلمانية لحركة مشروع تونس (21 نائبا) فقد ذكّرت في بيان بمواقفها السابقة من إدارة هيئة الحقيقة والكرامة لملف العدالة الانتقالية. واعتبرت أن الهيئة انخرطت منذ فترة في أجندة سياسية تجلّت بالخصوص في تشويه تاريخ دولة الاستقلال وإهانة رموزها، وهو ما أساء إلى مسار العدالة الانتقالية الذي تتمسك به الكتلة وتصر على استكماله باعتباره استحقاقا وطنيًّا وديمقراطيا.