تحاليل _ تحاليل نفسية _ خبراء يؤكّدون: عدم تسلّط الآباء يصنع أطفالا سعداء.
أكد خبراء أنه مع تغيّر النمط المعيشي وتسارع نسق الحياة، أضحى التعامل مع الأطفال يحتاج إلى جهد أكبر وعناية خاصة لمساعدة الطفل على بناء شخصيته وتعلّم احترام الآخرين، ويقدّمون نصائح للحصول على النتيجة المنشودة، بحسب صحيفة “30 دقيقة” الفرنسية.
وضع قواعد للحياة العائلية وجعلها واضحة قدر الإمكان يعتبر أمرا هامّا لمساعدة الطفل، ويقول آرنو ريو مؤلّف كتاب “من أجل أبوّة جيّدة”، إنّه “ينبغي الحرص على أن يكون الخطاب بين الزوجين متناغما وخاليا من التجاذبات والانتظارات المتضاربة من الطفل”.
فالطريقة المثالية تكمن، وفق الطبيبة النفسية إيزابيل فيوزات صاحبة كتاب “حاولت كلّ شيء”، في “تقديم النصائح للطفل عوض الأوامر، وفعل ذلك بطريقة إيجابية بعيدة عن منهج تلقين قائمة بالممنوعات”.
الموقف نفسه يتبناه ريو، والذي شدّد على ضرورة “المرور قدر المستطاع بالدعابة وبمحاولة إفهام الطفل أنّ مصلحته الثانوية تكمن في احترام القاعدة المحدّدة”.
عمليا وعلى سبيل المثال، تقول المختصة شارلوت دوكارم في كتابها “الوالدان الرائعان يصنعان أطفالا سعداء”، إنّه بدلا من إصدار أمر للطفل بتنظيف أسنانه وتهديده بحرمانه من سرد قصّة عليه قبل أن يغفو، ينصح بصياغة أكثر إيجابية عبر القول “في حال نظفت أسنانك فسيكون لدينا الوقت الكافي لقراءة قصّة”.
وفي حال كانت القواعد غير قابلة للتفاوض مع الطفل فإنّه لا ينبغي التردّد في منحه الاختيار في طرق التطبيق، حين يكون الأمر ممكنا بطبيعة الحال. غير أنّ الحرص على أن تكون أبا جيّدا أو أمّا جيّدة لا يعني التراخي، بل “ينبغي أن تكون حاسما ولا تتراجع عن أيّ قاعدة بتعلّة أنّ الطفل يرفض احترامها باستمرار”، وفق ريو، الذي لفت أيضا إلى أنّه على الوالدين أن يكونا قدوتين لطفلهما، لأنّ “سلطة التقليد نافذة”.
ويقول ريو “أنصح الوالدين العاملين بتخصيص وقت لأطفالهما بعد العمل”، لأنّ الحصول على لقب “أب جيّد” يتطلّب صبرا طويلا نعجز عن التسلّح به بشكل آني أو في كلّ وقت. وحتى إن كانت يوميات الوالدين مرهقة، تشدّد فيوزات على ضرورة “تخصيص حتى 10 دقائق على الأقل يوميا لتغذية الطفل بشحنة الحنان اللّازمة له، ولضمان الحصول على مساء هادئ”.
ويعتبر المختصّون أنّ تجنّب انتقاد سلوك الطفل وشخصيته أساس التواصل اللاعنيف داخل العائلة، وهنا لابدّ من الحذر من استخدام النعوت التي نطلقها في حال ارتكابه حماقة، مثل أن نقول له “أنت سيّء”، لأنّه يمكن أن يعتبر ذلك حكما نهائيا عليه، ويزعزع تدريجيا ثقته بنفسه. وشدّدت شارلوت دوكارم على ضرورة “تجنّب الكلمات الجارحة، ومهاجمة شخصية الطفل من خلال الإكثار من توجيه الاتهامات له”.
نصيحة أخرى يقدمها الخبراء وهي أنه لا يجب أبدا اللعب على وتر مخاوف الطفل لدفعه إلى احترام نصيحة معينة، وعوض أن نقول له “أسرع وإلا سأغادر من دونك”، الأفضل أن نفسّر له أن أصدقاءه بالمدرسة بانتظاره. وعادة ما يركز الوالدان على التفاصيل، ويؤاخذان أطفالهما على تفاهات كان يمكن تجاوزها دون التوقف عندها، ولذلك ينصح الخبراء بأن يسأل أحدهما نفسه بالقول أحيانا “في ما يعنيني هذا؟” قبل التدخّل.
مثال شائع على ذلك، حين يرتدي الطفل جوربا أصفر مع آخر أحمر، هل يتطلّب الأمر فعلا التدخّل لإجباره على تغيير أحد الجوارب؟ آرنو طرح السؤال وقدم الإجابة “ينبغي دائما التساؤل عما سيكون عليه الرد لو توجهنا بنفس السؤال لشخص بالغ”.
كما أشارت دوكارم إلى أنه يتعين أحيانا التوقّف عن النقاش، و”عوض أن أطلب من ابنتي وضع معطفها، فقد يكون من الأفضل أن أدعها تختبر البرد بنفسها، لتطلب بنفسها وضع ثياب إضافية قبل الخروج”.
وأشار الخبراء إلى أن معظم التجاوزات التي يرتكبها الطفل تكون مرتبطة بالضغط، ولذلك فإن نهره بشدة من شأنه أن يساهم في رفع نسبة الكورتيزول في جسمه، وقد يسوء الأمر حينها لأن حالته قد تتطور إلى نوبة بكاء أو ما شابه.
لكن الحديث معه سيمنحه الكثير من الهدوء ويعيد إليه الإحساس بالانتماء، والأهم سيجعله حينها قادرا على التعبير عن مصدر انزعاجه، بحسب فيوزات، وهو ما يؤيّدها فيه ريو بالقول إنّ “مفهوم النزوة لا يوجد لدى الطفل، وحين يصاب بنوبة بكاء فلأنّه استنفد جميع قواه للتعبير، وهذا يخفي حاجة ينبغي التوصّل إلى كشفها”.
ومن هنا، تأتي أهمّية أن نطلب من الطفل الحديث، وإعادة صياغة مشكلته للتأكّد من فهمه، وفي حال استمر الطفل في المطالبة بشيء لا يمكن منحه إياه، فـ”ينبغي اقتراح بديل له”. ومن المهمّ أن نجعل الأطفال يلاحظون نتائج أفعالهم، ويشعرون بفداحتها، بدل أن نجعلهم يدفعون ثمنها عبر معاقبتهم، حيث ينصح الخبراء بضرورة حثّ الأطفال على إصلاح الفوضى أو العطب الذي تسبّبوا فيه من خلال مطالبتهم باقتراح حلول.
ففي النهاية، وفق ريو، أن تكون أبا جيّدا أو أمّا جيّدة لا يعني الكمال، وإنّما “هما والدان يطرحان الأسئلة، ويخطئان أحيانا، ولكنهما يسعيان دائما إلى تحسين معاملتهما مع أطفالهما”.