تحاليل _ افتتاحية _ في عبور “مثلّث برمودا التونسي”.
مستقبل تونس السياسي والاقتصادي غير مؤكّد، بقاء رئيس الحكومة في موقعه غير مؤكّد، ولاية رئيس الحكومة غير كاملة، الحكم المطلق للرئيس غير مؤكّد، بصمة مجلس النواب في الحكم غير مؤكّدة، وأنت مرشّح رئيسا للحكومة التونسية؛ والدين أربعون مليار دينارا أو دولارا لا فرق، ماذا بعد؟
* عجز قياسي للميزان التجاري (تجاوز الـ 15 ألف مليار – نظام مقيم وغير مقيم)
* الدينار في أتعس حالاته (اليورو يساوي تقريبا 3 د.ت)
* نسبة التضخّم بلغت اليوم 6,9% (نسبة قياسية)
* نسبة المديونية تجاوزت الـ 70% (نسبة قياسية)
* نسبة البطالة 15,3% (حوالي 30% بالنسبة لحاملي الشهائد)
* احتياطي العملة الصعبة 84 يوم (رقم قياسي)
* تونس مصنّفة في القائمة الرمادية للجنان الضريبية
* تونس مدرجة في القائمة السّوداء للدول ذات المخاطر العالية في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
أضف إلى ذلك حالة الاستياء العام التي تجتاح الجميع تقريبا لما آل إليه وضع البلاد بعد سبع سنوات من الثورة على الاستبداد والفساد..المظاهرات والاعتصامات التي تعمّ البلاد والاحتقان في الشارع وبين الفئات كافّة…
التفرقة لن تجدي و “فرّق تسد ” نظرية الحكم البريطاني في المستعمرات لم تعد مقبولة، لقد تحرّر الشعب بسقوط زين العابدين بن علي رمز الفساد والاستبداد…
كيف يمكن أن تركّب تلك المعادلة، وتصبح رئيس حكومة عزيزي القاريء وأنت لا تملك مفتاحا سحريا من المسؤول الكبير؟ وأنت لست من أعوانه أو رجاله أو أنّك لن تقبل بسيطرته؟
بل لن يُقَدَّم اسمك ضمن ملفّ خاصّ لرئيس الدولة معطّرا بالورد والياسمين ليكلّفك بتشكيل الحكومة؟.
لا تحلم أن تكون جزءا من وطن وأنت خارج السّيطرة، وهذه هي المشكلة.
في العادة يأتي رئيس الحكومة من خلال تنسيب ومباركة “المسؤول الكبير ” ويأتمر بأمره هو وكلّ وكلائه بطرق غير مباشرة أو مباشرة، وإلّا فإنّه ومن معه إلى حافة الهاوية.( ولا تسألني رجاء عن هوية المسؤول الكبير ).
أودّ أن أشير إلى أنّ كرة اللّهب التي تتدحرج على مسمع ومرأى من الجميع اليوم؛ ستأكل الأخضر واليابس ما لم يتمّ تغيير نظام الحكم ومراجعة طريقة إدارة شؤون الدولة…
تغيير نظام الحكم يعني تغيير مدلول الفكر السياسي والنظم السياسية هيكليا ومؤسّسيا ولا يعني إسقاط النظام كما تحبّ أن تشير الأجهزة الرسمية له وتترجمه لكلّ من يختلف معها في الرأي.
وتغيير النظام يعني تغيير الأسس البائسة المتّبعة ضمن سلوك حضاري حديث جديد مقنّن يؤدّي إلى خلق مجتمع متناسق يعيش في دولة العدل والقانون والمساواة والحرية والكرامة من خلال إدارة موارد المجتمع وتحقيق الأمن الداخلي والخارجي وتحقيق أكبر قدر من المصالح العامّة للشعب لا للفاسدين (رموز الوطن الزائفين)، والعمل على الحدّ من التناقضات الاجتماعية..
ولكن هل يفعلها رئيس الحكومة الحالي و يخرج من عباءة “المسؤول الكبير” وتابعيه ؟
تونس غارقة في الركود الاقتصادي الخانق الطويل حسب تصريحات وزير المالية ومدير البنك المركزي وعموم المسؤولين في الحكومة والدولة الذين أجمعوا على أنّ : ” الوضع الاقتصادي في للبلاد يجتاز أزمة دقيقة دون أن تبرز في الأفق حتى الآن بوادر مقنعة لقرب انفراج هذه الأزمة”.
و أضيف هنا أنّ غياب الأحزاب الحقيقية الحرّة والفاعلة والمتماسكة على الساحة زاد في تعميق الأزمة وامتدادها.
و أضيف أن الميزانية العرجاء التي قد تُصَاب بالعجز بعد أشهر قليلة على اعتمادها، والدين المتزايد ودور الحكومة المتقلّص والضعيف، في وقت تواجه فيه البلاد تحدّيات كبيرة، تتفاقم المشاكل بسبب قلّة الرؤية وغياب الحسّ السليم بين قادتها مع إقصاء المتميّزين المواليين للأرض والموالين للوطن وإبعادهم عن مراكز صنع القرار، واستيلاء المنتفّعين وأبنائهم وأزواج بناتهم وحتى مرضعي أحفادهم على مناصب ومقدّرات الدولة.
لا بدّ من أن يستمع الحاكم إلى الأصوات الثّابتة، و أن يكون من سبب يدعو إلى حوار بين رئيس الحكومة ومن هم خارج سيطرة دائرة “المسؤول الكبير” وشلّة المنتفّعين حول الأحزاب الحاكمة وداخلها والدائرين في فلك المنظمات الوطنية التي رعت الحوار الوطني ذات يوم وداخلها أيضا…
ولابدّ أن يفتح مكتبه ويتسع مجلسه ليضمّ الجميع ممّن هم في الداخل والخارج، لإيجاد الحلّ الطبيعي الذي يتوافق مع مبادئ دستور ثورة الحرية والكرامة وأن يتمّ السّير نحو بلاد تتمتّع بالحرية الإعلامية والاقتصادية والسياسية والعدالة الاجتماعية بين كل أفراد الشعب وفئاته..وألّا تكون قرارات الحكومة سيفا على رقاب الفقراء والمهمّشين وبردا وسلاما على المتنفّذين والمُترفين، وأن يسود القانون، وتتواجد حوافز قوية للمبدعين، والاعتماد على الأسواق الخارجية، وهي سياسة يمكن التنبؤ بنجاحها من خلال إعادة موارد الدولة البشرية إلى الواجهة، وإعادة الأموال المنهوبة والتي تمّت سرقتها وتهريبها للخارج في بنوك بريطانيا وسويسرا وإعادة بناء الإطار الاقتصادي السليم بعيدا تدخّلات المتنفّذين من رجال المال والأعمال ممن تلوّثت أيديهم بالفساد وسوء التصرّف.
البلاد بحاجة إلى مستوى عال من الخبرة وصانعي السياسة على حدّ سواء ومن الباحثين الجادّين وأصحاب الفكر المستقبلي الذين يجب أن تستقطبهم الدولة في مراكز بحث أو تفكير أو تخطيط لحلّ القضايا الاقتصادية المؤثّرة على السياسة الحالية: الميزانية، والسياسة النقدية، وتنظيم شأن الحكومة، و الإصلاح الضريبي..وأن تحدّد بعبارات بسيطة جريئة الاستراتيجيات المصمّمة لوضع البلاد على أسس سليمة وعلمية في كلّ من هذه المجالات.
لو كنت رئيسا للحكومة، ماذا ستفعل ضمن كلّ تلك المعطيات والاقتراحات؟
عفوا إن كنتَ تَجْبُن عن قول الحقّ وشعرت أنّك قد تجاوزت صلاحية “المسؤول الكبير”، عد إلى المربّع الأوّل، و” ضع رأسك بين الرؤوس و قل: يا قطّاع الرؤوس “.
أيّها الرئيس العجوز، خيارتك واسعة وجزء كبير من شعبك يحبّك واحترمك أكثر لأنّك رفضت الإملاءات الخارجية لإدخال البلاد في فتنة داخلية لا أحد يعرف نتائجها بإقصاء فصيل واسع من الشعب واعتباره خارجا عن السياق الوطني، لا تستمع لمن يخيفك أو يرعبك، فإنّه باحث عن مصلحته وبقائه في مؤسّسة الحكم ودائرة المتنفّذين المتنفّعين حتى لو أنّك دفعت ثمن ذلك بثورة لا يمكن الوقوف ضدّ رياحها.
هنيئا مليء بسخرية القدر وغضب التاريخ مسبقا لمن يقبل بالسّقوط وقبول المنصب على علاته، فقد يلحق بغيره ويصبح عضوا في نادي “المسؤول الكبير” للمتقاعدين، ونرفع القبّعة ونؤدّي التحية لمن يقبل أن يكون رئيسا حقّا لحكومة تونس وينتمي إلى نادي الشعب التونسي؛ يبعد كرة اللّهب عن مرمى الوطن وشباك الحاكم.
—————————————————————————————-
* الجمعي الصحبي العليمي.