تحاليل _ تحاليل سياسية _ هل تتجه تونس إلى العسكرة؟ |بقلم: نبيل نايلي*.
فعلا، لقد كان خطاب الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي استثنائيا بكلّ المقاييس- شكلا ومضمونا!
استثنائيا في حالة إنكاره! واستثنائيا في خلوّه من اجتراح حلول جريئة وثورية وعاجلة انتظرها ولا يزال من تصوّر للحظة أنّ مثل هذه الشخوص ومن رافقهم في الحفل التنكّري، ولا يزال، مجرّد “شهود زور”، وهي التي أوصلت تونس للحال التي هي عليه يمكن أن تقدّم حلولا في مصادرة على المطلوب!
غابت كلّ الملفّات العاجلة من فساد مستشر وبطالة مستفحلة وعدالة اجتماعية مصادرة ومديونية مشطّة وتداين متنامي وقضاء غير نزيه ووو ..الملفات التي وُئِدت كلّها ذات نشوة شرعية انتخابية انتهت “بحوار وطني” زكّي بــــ”جائزة نوبل”، أفرز حكومة “وطنية” تصفّى يوميا استحقاقات الـ17 من ديسمبر! ثم يحدّثوننا بعدها عن هيبة دولة ترتق “كغشاء البكارة”!
الجيش الوطني لحماية البترول ومواقع الإنتاج؟… أ هذا ما جادت به قريحتكم؟ يا خيبة المسعى!
أ يترك الجيش الثّغور لندفعه للتصادم –كرها- مع المجوّعين والمفقرّين و”المهمّشين” من ضحايا منوال تنموي أغمطهم حقوقهم، وقسمهم قسمته الضيزى، وهم ممّن جاء بهؤلاء حكاما ومعارضة وديكور؟
أ هذه هي عقيدته التي تربى عليها؟ وهل أنهى حربه لمكافحة الإرهاب؟ وأمّن الحدود المستباحة؟ هل يستحقّ التونسيون هكذا ساسة ومسؤولين و”نخبة”؟ وهل تحتمل تونس أن تنتظر حتى 2019 حتى ينبلج فجر آخر؟
لا بصيص أمل، ولا حلول ناجزة، ولا تعديل في وجوه الخيبة والفشل التي سفّهت جميع الإستحقاقات وهي الأعجز عمّا وعدت وتعد به! ولا رؤية استراتيجية واضحة تستشرف معالم غد صادروه! ولا مجرّد اعتراف بحقائق الواقع التي بات يعلمها القاصي والداني!
حماية المؤسّسات ومناطق الإنتاج بالجيش؟!
أ لم يشط مذاقهم من كثرة تردادهم أنّ الجيش التونسي ظلّ في ثكناته وأبى إلاّ حماية الدولة ثم انتهوا يقحمونه حيث لا يجب أن يكون! احتراما لهذه المؤسّسة العسكرية العتيدة ومنعا للزجّ بها في تحركات اجتماعية! لا تشتبكوا مع عمقكم الشّعبي ولا تنجروا لهكذا مستنقع وقفوا بمنأى عن الحراك الاجتماعي العادل..ذلك أشرف لكم وأجدى وأنفع لتونس.
فمثل هذه المقاربات الأمنية العسكرية سبق وجرّبها الرئيس السابق قبل خطاب “فهمتمكم”! أ فلا يتعظون؟ ما سمعناه هو التهديد الفعلي والنسف المرحلي للحرّيات والديمقراطية والعود على بدء دكتاتوري. في ماي 2008 حاول بن علي في أكثر من مكان ولم يرتعب شباب الرديف و شباب صفاقس! وزادهم إصرارا لمتابعة مسيرتهم.
ثم أ لم تُسقط العصا إلى غير رجعة؟ أو هكذا خيّل للـ”ثوريين”، يضعون تسعينيا ورجالات عهد خالوه بائدا فتسلّل بين شقوقاتهم!
ما هذه الحماسة من أجل “قانون المصالحة” والأحرى تسميته قانون الالتفاف على الفساد وحماية الفاسدين؟ أليست رسائله المطمئنة لأصحاب الشركات النفطية الكبرى ولمن ارتهنوا لهم ذات خيار تداين بات العادة التي لا يحيدون عنها ولا يرون لها بديلا!
أ لا ساء فعلا ما يحكمون! وهل يتلخّص رئيس الدولة في حماية مصالح أصحاب الشركات العالمية؟ متى سنتصدى فعلا للفساد والفاسدين؟ متى سنتجاوز للعراقيل البيروقراطية المكبلة للإستثمار المحلي والخارح؟ هل سنقوم جديا وعاجلا بالإصلاحات البنوية على مرارتها وكلفتها قبل فوات الأوان؟ تستحق تونس نخبة غير التي تتصدّر المشهد وتعيد إنتاج الخواء منذ ما يزيد عن 6 سنوات حتى بتنا “تحت إيطاليا”!!
———————————————————————————————————-
* باحث في الفكر الاستراتيجي الأمريكي، جامعة باريس.