تحاليل _ تحاليل سياسية _ وادي الكلاب. |بقلم: لبنى الحرباوي*.
هنا على هذه الرقعة من الأرض انقلبت المفاهيم، فالقافلة تنبح والكلاب تنبح ولا أحد يسير، وفق ما يقول بعضهم.
لقد صرح رجل أعمال تونسي أنه سيكلم رجل أعمال آخر ليطلب منه لجم كلابه (ساسة وصحافيين).
تسبّب كلام المليونير، الذي سبق أن تشدّق سابقا أنّه اشترى “حفنة” من الصحافيين أغدق عليهم المال لتلميع صورته وربّما حذاءه، في صدمة للتونسيين سرعان ما تجاوزوها ليسخروا من أنفسهم أوّلا ومن المتلاعبين بهم ثانيا.
كان التصريح الأكثر سخرية على فيسبوك أنه على إثر انتهاء الأجزاء العشرة من مسلسل “وادي الذئاب” التركي بطولة مراد علم دار، آن الأوان تونسيا وقد اقترب رمضان، لإنتاج الجزء الأول من السلسلة الهزلية “وادي الكلاب” بطولة الوجه الفني الجديد يوسف علم طار، في إشارة إلى واقعة العلم الشهيرة.
في المفهوم الأنغلوساكسوني تعني “واتش دوك” أو كلب الحراسة قيام الإعلام بأحد أهم وظائفه، وهي حماية الديمقراطية ومراقبة قواعد اللعبة السياسية وأداء مؤسسات الحكومة والمجتمع المدني، وضمان شفافية المعاملات المالية.
ويعني هذا أيضا أن الإعلام يقظ، ومتحفّز وشرس في الدفاع عن الحق تماما مثل كلب الحراسة. فعبارة “الصحافيون مثل الكلاب”، هو وصف مجازي مقبول في الثقافة الأنغلوساكسونية لكن لا يصحّ عربيا تشبيه إنسان بكلب.
لكن رجل الأعمال هذا قدّم مفهوما تونسيا خاصا لـ”كلب الحراسة”.
وبات المفهوم يعني أنّ هؤلاء مأجورون يأتمرون بأوامر أسيادهم، فمتى أرادوا لهم أن ينبحوا نبحوا ومتى أرادوا لهم أن يخرسوا صمتوا للأبد. ويعني الأمر أيضا أنّ هؤلاء كانوا يعضّون الشعب لأجل.. الإقناع، كما وصفهم الشاعر العراقي أحمد مطر في قصيدته “ابن الكلب رئيسا”.
وبعيدا عن مدى حقيقة تصريح بيع وشراء الذمم التي لا يستبعدها أحد في بلاد ظنّت أنّها تخلّصت من أبواق سابقة عادت في المدة الأخيرة إلى الواجهة بقوّة أكبر، فإن هؤلاء الإعلاميين المصنّفين حارسين لديمقراطية لا تزال معطوبة يتحمّلون المسؤولية لتمكينهم كلّ من هبّ ودبّ من منبر للتطاول عليهم من ناحية.
ومن ناحية أخرى، يعكس التصريح جليا مستوى بعض رجال الأعمال والسياسيين والصحافيين في هذه البلاد التي تتشدّق بثورة لا تعرف بماذا تسمّيها.
وإن كان الشعب لا يعرف بماذا ينعت ثورة ظنّ أنّها جلبت له حرية التعبير على الأقل، فقد أصبح مطالبا بقيادة ثورة أخلاق.