تحاليل _ تحاليل سياسية _ مجموعة السبعة وبلدان الربيع العربي: وعودٌ بلا إنجاز. |بقلم: رشيد خشانة.
لم تحمل قمة مجموعة البلدان السبعة الأكثر تصنيعا في جزيرة صقلية، جديدا في اتجاه مراجعة العلاقات المجحفة بين الشمال والجنوب. لا بل إن الاندفاع الأمريكي الجديد نحو التعاطي مع جميع الفرقاء بالمنطق التجاري البحت، جعل الوعود التي سبق أن قدمتها المجموعة توضع على الرف. وفي مقدمة تلك الوعود ما قررته قمة دوفيل في العام 2011 من دعم اقتصادي لدول الربيع العربي بقي كلهُ حبرا على ورق. كان ذلك في ظل قيادة أمريكا الأوبامية للمجموعة، أما اليوم فالزعامة الأمريكية اتجهت نحو مسار آخر. وسينعكس هذا التغيير بالتأكيد في تعاطي البلدان السبعة مع البلدان العربية، وإن بتفاوت.
ومجموعة السبعة G7 هو إطار غير رسمي للحوار في شأن التعاون السياسي والاقتصادي، بين الدول الأكثر تصنيعا في العالم، أي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة وكندا. وتعقد دول المجموعة قمما سنوية تلعب فيها الدولة المضيفة دورا أساسيا في تحديد فحوى اللقاءات، إذ لا توجد سكرتارية، كما ليس من تقاليد المجموعة اتخاذ قرارات رسمية، وإنما تتولى الرئاسة الدورية متابعة ما يُتفق عليه. وربما كان الاستثناء الوحيد هو اجتماع وزراء خارجية دول المجموعة في مارس 2011 الذي اتخذ قرار التدخل العسكري في ليبيا للإطاحة بنظام معمر القذافي. وفي السنوات الموالية لقمة دوفيل أدرجت في جدول الأعمال أربع قضايا جديدة هي مُجريات الربيع العربي ومسائل الطاقة والصحة والأمن الغذائي.
وجددت القمة التي استضافتها ألمانيا في 2016 الاهتمام بالحوار مع بلدان الربيع العربي سعيا لتحويله إلى شراكة مُثمرة للطرفين. وينطلق هذا الهاجس من رغبة البلدان السبعة في التقريب بين سياساتها إزاء القضايا الدولية الكبرى، و«التنسيق الوثيق بينها لبناء خيارات مشتركة وإيجاد أجوبة على أسئلة المستقبل». وعلى هذا الأساس صاغت الدول الأعضاء رؤية موحدة في قمة دوفيل بفرنسا (26-27 ماي 2011) لدى انطلاق الربيع العربي، ارتكزت على ثماني عشرة دعامة أبرزها أن التغييرات التاريخية الجارية حاليا في شمال أفريقيا والشرق الأوسط يمكن أن تُعبد الطريق لتحولات مماثلة لتلك التي حدثت في أوروبا الوسطى والشرقية، في أعقاب انهيار جدار برلين «فالشعوب أخذت مصائرها بأيديها في عدد متزايد من بلدان المنطقة، مدفوعة بتطلعها للحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وإيجاد الوظائف والمشاركة والكرامة. وتُشكل هذه التطلعات صدى للقيم التي نعتنقها وهي تأتي لتعزيزها» مثلما ذكر بيان القمة. وقال الزعماء في قمم سابقة إن أعضاء المجموعة يدعمون بقوة أهداف «الربيع العربي» وكذلك تطلعات الشعب الإيراني، «فنحن نُنصتُ إلى أصوات المواطنين ونساند مُطالبتهم بالمساواة وندعم دعوتهم الشرعية لإقامة مجتمعات ديمقراطية ومنفتحة ولتنمية اقتصادية يستفيد منها الجميع، ونُحيِي بشكل خاص الدور الذي يلعبه الشباب والنساء في حركات التحول تلك».
وبناء على ذلك تم إطلاق «شراكة دوفيل» مع شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط بحضور رئيسي الوزراء المصري والتونسي، «البلدان اللذان كانا في أصل هذه الحركة، ونحن مُستعدون لفتح هذه الشراكة الشاملة وطويلة الأمد لجميع بلدان المنطقة التي تُباشر تحولا نحو مجتمع حُر وديمقراطي ومتسامح، بدءا بمصر وتونس، في تعاون مع البلدان التي ترغب بدعم التحول في المنطقة» حسب بيان القمة.
وتنهض تلك الشراكة على دعامتين: مسار سياسي يرمي لدعم التحول الديمقراطي وتشجيع الإصلاحات في مجال الحوكمة، ولا سيما مكافحة الفساد وتعزيز المؤسسات الكفيلة بتأمين الشفافية، وإطار اقتصادي مُلائم لنمو مُستدام يستفيد الجميع من ثماره. وترمي هذه الشراكة لمساعدة البلدان الشريكة على إطلاق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة، وخاصة من أجل إيجاد فرص للعمل وتكريس دولة القانون، مع ضمان الاستقرار الاقتصادي من أجل إعطاء دفعة للإنتقال نحو ديمقراطيات مُستقرة. وحضت القمة المؤسسات المالية الدولية وأجهزة الأمم المتحدة المعنية، وكذلك القطاع الخاص والمجتمع المدني «على العمل معنا في إطار هذه المبادرة».
ومن الملاحظ أن الولايات المتحدة واليابان أطلقتا بدورهما وعودا مُشابهة في ختام القمة، الأولى بالإعلان عن «مبادرة شاملة للشراكة سيتم إطلاقها في وقت وشيك تخص التجارة والاستثمار في المنطقة»، والثاني بالتعهد بتشجيع التجارة والاستثمار في بلدانها.
أما أهم ما تعهدت به قمة دوفيل فهو قائمة المبادرات السياسية التي التزمت بتنفيذها «لمساعدة بلدان المنطقة على إيجاد الفضاء السياسي اللازم لازدهار الديمقراطية والحرية». وفي مقدمة تلك التعهدات إشراك المجتمع المدني إشراكا كاملا في شراكة دوفيل بوصفه الطريقة المثلى لأخذ التغييرات التي حدثت في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في الإعتبار، واستطرادا تعزيز الحوار بين مجموعة السبعة وحكومات المنطقة والمجتمع المدني. كما دعا بيان قمة دوفيل المنظمات الدولية «للعمل مع الأحزاب السياسية وأحزاب المعارضة الناشئة للأخذ بيدها في امتلاك الأدوات التي تُمكنها من الاستجابة لتطلعات السكان وتعزيز قدرات صُناع القرار، مما يُشكل السبيل الأضمن إلى الاستقرار في المنطقة».
بهذا المعنى يتضح أن مجموعة السبعة لم تتعهد بتقديم مساعدة إلى أي بلد من بلدان الربيع في الإطار الثنائي، بل وضعت جميع المبادرات الاقتصادية في سلة المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي، والبنك الأوروبي، والبنك الأفريقي، الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وصندوق الأوبك…) لكي تتولى هي النظر في خطط الإصلاح الاقتصادي المُعتمدة للموافقة على تمويلها أو اقتراح تعديلها. غير أن استعراض جدول أعمال القمم اللاحقة وقراراتها يُبين أن تلك التعهدات لم تحظ بأي متابعة، على الأقل في مستوى اجتماعات القادة. كما أن قضايا العرب بدأت تختفي شيئا فشيئا من جدول الأعمال في مقابل بروز موضوع مكافحة الإرهاب. وإذا ما ضربنا مثلا بالقمة الأخيرة في اليابان والتي قبلها في شلوس إلمو بألمانيا يتضح من البيانين الختاميين أن جدول الأعمال ركز على أربع مسائل هي الاقتصاد الشامل والأمن وتغير المناخ والتنمية. وهذا لا يعني أن القمة لم تتعرض إلى الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا لدى التطرق لباب الأمن، لكن في شكل عام وضبابي.
قُصارى القول إن الحماسة الأولى التي أبدتها بعض بلدان مجموعة السبعة للربيع العربي سرعان ما خفتت، إذ أن كثيرا من هذه البلدان لم يُسدد الحصة التي التزم بدفعها لـ»صندوق التحول» الذي أنشأته قمة دوفيل في 2011 برأس مال حُدد بـ200 مليون دولار لدعم دول الربيع العربي. وليس هذا هو المؤشر الوحيد على تراجع اهتمام السبعة الكبار بإنجاح الربيع العربي، إذ يمكن أن نُعدد أربعة مؤشرات أخرى على الأقل تؤكد، انطلاقا من «بيان دوفيل» أن المُخاتلة طغت على الرغبة بمُرافقة التجارب الانتقالية العربية. فقد تعهد السبعة (كانوا ثمانية آنذاك باعتبار روسيا) بإعادة الأموال والأملاك المسروقة التي هربها الرئيسان المعزولان زين العابدين بن علي وحسني مبارك، إلى تونس ومصر، لكن لم يحدث شيء من ذلك إلى اليوم.
كما تعهدوا بحض بنوك التنمية الدولية على منح بلدان الربيع العربي 20 مليار دولار، بما في ذلك 3.5 مليار يورو لتونس ومصر من البنك الأوروبي للإستثمار EIB خلال الفترة من 2011 إلى 2013 «من أجل دعم الإصلاحات اللازمة». وعلاوة على تلك التعهدات الاقتصادية التي اتضح أن أكثرها حبرٌ على ورق، أخذ السبعة على أنفسهم عهدا آخر بدعم تجارب الانتقال الديمقراطي سياسيا، وخاصة في مجال حرية التعبير، وبالأخص حرية الإعلام والانترنت «اللتان تُقدمان مساهمة جوهرية في دمقرطة البلدان العربية». غير أن كل تلك المواقف طُويت في ملفات الحرب على الإرهاب.