تحاليل _ تحاليل سياسية _ احتدام الصّراع داخل هيئة الانتخابات بتونس ومرصد شاهد يدعو إلى كشف كلّ الحقائق.
أخرج قرار أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، بإقالة رئيس الهيئة محمد التليلي المنصري، الخلافات داخل الهيئة إلى العلن. وصدر قرار الهيئة بعد اجتماع لأعضاء مجلسها الاثنين وتصويت كامل الأعضاء الحاضرين باستثناء رئيس الهيئة مع الإقالة.
ومنذ انتخاب المنصري من قبل البرلمان في نوفمبر الماضي خلفا لشفيق صرصار الذي كان قد قدّم استقالته في شهر ماي من العام الماضي، لم تظهر أي خلافات داخل الهيئة التي كانت تستعد لإجراء أوّل انتخابات بلدية منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
لكن مصدرا من هيئة الانتخابات قال إنّ “قرار الإعفاء جاء لأسباب أهمّها وجود إشكال في التواصل بين رئيس الهيئة والأعضاء، إضافة إلى اتخاذه قرارات فردية في عديد المسائل”. وتابع المصدر ذاته أن “مجلس الهيئة استند في قرار الإعفاء إلى الفصل 15 من قانون الهيئة المستقلة للانتخابات”.
وينص الفصل 15 على “إعفاء رئيس الهيئة أو أحد أعضاء المجلس، في صورة ارتكابه لخطأ جسيم في القيام بالواجبات المحمولة عليه، بمقتضى هذا القانون، أو في صورة الإدانة بمقتضى حكم باتْ، من أجل جنحة قصدية أو جناية أو في صورة فقدانه لشرط من شروط العضوية”.
ويرفع طلب الإعفاء من قبل نصف أعضاء مجلس الهيئة على الأقل، ويعرض على الجلسة العامة للمجلس التشريعي للمصادقة عليه بالأغلبية المطلقة لأعضائه.
وفي أوّل تعليق على إعفائه قال محمد التليلي المنصري، إنّ “قرار مجلس الهيئة القاضي بإعفائه من مهامه وإحالة هذا الطلب إلى مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه، قرار غير مفاجئ ولا غاية منه سوى الاستيلاء على الهيئة، مبيّنا أنّه لم يرتكب أيّ خطأ لاتخاذ هذا القرار في شأنه.
وأوضح المنصري، في تصريحات لوكالة الأنباء الرسمية، أنّه لم يتفاجأ بالقرار بالنظر إلى حالة الرفض والصدّ التي لاقاها من قبل بعض الأعضاء، حتى قبل مباشرته لمهامّه.
الهيئة مُتَّهَمَة من قبل العديد من الأحزاب بالانحياز والتضييق على عملها أثناء الحملات الدعائية للاستحقاقات المحلّية.
وبيّن أنّ ممارساتهم قد تواصلت إثر ترؤسه الهيئة، لكنّه خيّر الصمت ورفض مواجهتهم للمحافظة على المسار الانتخابي وإنجاحه، ملاحظا أنّهم اغتنموا صمته ليتخذوا قرارهم بأكثر عدد من الأصوات، قبل خروج البعض منهم عبر التجديد.
ورجّح التليلي المنصري إمكانية وجود ضغوط من خارج الهيئة لإقالته بعد حملة التشكيك التي رافقت الانتخابات المحلية والتي بلغت حدّ طرح الحديث عن تأجيلها.
وتوتّرت الأجواء بين هيئة الانتخابات والأحزاب أثناء الحملات الدعائية للانتخابات البلدية (محلّية) التي جرت في ماي الجاري.
واتهمت عديد الأحزاب الهيئة بالانحياز وعدم الحياد والتضييق على عملها بعدما عمدت بعض الهيئات الفرعية إلى رفض التأشير على البيانات الانتخابية لعدد من الأحزاب من بينها حزب نداء تونس في ولاية بن عروس وحراك تونس الإرادة في تطاوين وحركة مشروع تونس في منطقة الدندان والجبهة الشعبية في دائرة تونس وقفصة وسوسة ومنوبة.
في حين لم تسجّل أيّ هيئة فرعيّة اعتراضا يُذكر على البيان الانتخابي لحركة النهضة لتكتفي ببعض التنبيهات بخصوص بعض المخالفات التي تمّ تسجيلها خلال الأيّام الأولى للحملة.
ولم يقف التوتّر عند هذا الحدّ بل تأجّج عقب إبرام الهيئة لاتفاق مع الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري يتعلّق بضبط المعايير الخاصّة بتغطية الانتخابات.
واختصر الجدل الذي أثاره الاتفاق في البداية جدلا بين المؤسّسات الإعلامية وهيئة الانتخابات لتنخرط فيه الأحزاب في ما بعد.
واتفقت كلّ من أحزاب نداء تونس وحركة النهضة والجبهة الشعبية على رفض الاتفاقية المُشتركة مشيرة إلى أنّها تمثّل تضييقا غير مقبول على التغطية الإعلاميّة للحملات الانتخابيّة ومسّا من مسار العمليّة الانتخابيّة ككلّ.
وأثار قرار عزل المنصري استغراب المتابعين الذين طالبوا بكشف حقيقة ما يجري داخل أروقة الهيئة.
وكان مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية في مقدّمة المتفاعلين مع الحدث، ودعا في بيان له أصدره أمس الثلاثاء أعضاء مجلس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى كشف كلّ الحقائق التي أدّت إلى تفاقم الوضع داخل الهيئة لإنارة الرأي العام.
وطالب مرصد شاهد في بيانه، مجلس النوّاب بفتح تحقيق في أقرب وقت ممكن للوقوف على الحقائق واتخاذ الإجراءات المناسبة باعتباره الجهة الوحيدة المخولة قانونا لاتخاذ قرار إعفاء الرئيس من عدمه، والإسراع بتجديد ثلث أعضاء مجلس الهيئة لتعويض الأعضاء الذين شملتهم القرعة.
وحذّر المرصد ممّا يمكن أن يترتّب عن هذا الطلب من انعكاسات وتداعيات خطيرة على استقرار المسار الانتخابي وسلامته، معبّرا عن أسفه الشّديد لتواصل الصراعات والتجاذبات داخل مجلس الهيئة والتي كانت سببا رئيسيا في استقالة الرئيس والأعضاء السابقين.