تحاليل _ تحاليل تربوية _ اغتصاب حق الطفل في المطالعة. |بقلم: شيماء رحومة*.
“أجبر أفراد العصابة الفتاة على احتساء الخمر حتى خارت قواها وتوقّفت مقاومتها لهم فعبثوا بها ثمّ قتلوها.. أبصر أحد اللصوص خاتما من الذهب في إصبع الفتاة المقتولة. لم يتمكّن من نزعه بسهولة فأخذ فأسا وقطع بها الإصبع الحامل للخاتم..”.
هذا النصّ القصير مقتطف من قصة تونسية حديثة النشر موجّهة للأطفال، ولم يأسف سفيان سعيد مؤلّفها عن بشاعة الصور المرفقة لنصّه، ولم يحمل غلاف قصته طابعا أحمر وإشارة إلى (-12) أو (-18).
وهذا ما أثار جدلا واسعا بين رواد موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مستنكرين محتوى قصة تخاطب الطفولة بلغة الاغتصاب والقتل والخمر والسرقة.
كلّها مفردات تحمل دلالات تستعصي على فهم الناشئة وتؤثّر عليهم سلبا، فالاغتصاب يعني في اللغة العربية أخذ الشيء قهرا وظلما، كما تشير الكلمة إلى الاعتداء الجنسي بالقوة والترهيب، كل المعاني تحيل على إيذاء الآخر نفسيا وجسديا. فهل يعقل أن يطالع الطفل قصة تتحدث عن ممارسة الجنس مع شخص دون إرادته وهو حديث العهد بسؤاله البريء لأمه كيف خرجت من بطنك؟ وتجيب وضعت قطعة سكر تحت السجاد فوجدتك أنا ووالدك في الصباح بدل القطعة.
ولا يختلف القتل عن الاغتصاب فهو يحيل على منظر بشع يتم بآليات يفوح منها ريح العنف، فهو عملية إنهاء حياة شخص ما على يد أطراف أخرى بأدوات حادة أو أسلحة نارية.
في العادة تحرص العائلة على انتقاء الصور المتحركة لأبنائها، لا تحتوي موادها على سفك الدماء، وعلى ما يبدو سينتقل هذا الحرص إلى متابعة المواد العلمية التي يتلقونها.
خاض بعض الأطفال تجربة احتساء الخمر خطأ بسبب بعض القطرات المهملة بكؤوس فارغة في مناسبة ما أو بسبب إدمان الأب على الكحول، وهذا دليل على أن الطفل لا يفرق بينها وبين بقية المشروبات الغازية، فهو لا يعي معنى للسكر.
ولا يكفي أن الخمر تثمل وتذهب العقل وأن طعمها لاذع يحرق، وهي قابلة للاشتعال فهل يجوز للأطفال اللهو بها ألم يمنع شراء البنزين في قوارير بلاستكية لارتفاع نسبة المنتحرين به؟ نمنعها على الشباب ونقدمها على طبق من فضة لأطفال فاقت حالات انتحارهم في السنوات الأخيرة عدد البالغين المنتحرين.
وآخر المفردات السرقة وهي بين ظفرين حالة يمر بها أغلب الأبناء تبدأ من رياض الأطفال ولا ترتبط بأي من المصطلحات التي تحيل عليها معاني السرقة من سطو واستيلاء واحتيال، الطفل حين يعود إلى منزله بممتلكات الغير يعود بها بذهن بريء خال تماما من كل النوايا المبيتة ظنا منه أن له الحق في ذلك وغالبا تكون لعبة أحبها واستأثر باللعب بها.
ارتقى الكاتب من خلال قصته بالطفل إلى مصاف الكبار قطعا مع كل المراحل، ولم يكتف بلغة الحروف بل وأرفقها بصور تجسد مضمون النص، وبوصفي عملت يوما ما بإحدى رياض الأطفال أجزم من خلال تجربتي أن الصور أبلغ من الكلام في عرف الأطفال.
كثيرا ما وجدتني أحلل صور القصص التي تجمع الأطفال من حولي للاستماع إلى فحواها بدل مواصلة قراءة سطورها على قلتها، ولهم فلسفة خاصة في وصف ما أوحت إليهم به الصور، ومما علق بذهني أن البعض منهم يربط الصورة بعائلته.
وبعيدا عن كل التفسيرات التي قدمتها وبقطع النظر عن وجهة نظري أو نظر نشطاء فيسبوك، لو طلب من الأطفال في حصص تقديم القصص ذكر مغزى القصة والعبرة التي خرجوا بها من مطالعتهم لها وهو سؤال طبيعي ومدرج في برامج الأطفال التعليمية بماذا سيجيبون؟ “داعش يعشش في الجبال، وقاطرات المترو الخفيف تعج بالسراق، الأب صار يغتصب بناته عنوة وبيوت الدعارة تستغل القاصرات وتحتال للإيقاع بهن، الشباب “يزطل” ويحتسي الخمر بالمعاهد”.
مشاهد أظنّها التصقت بالأذهان الصغيرة أكثر من معاني وصور القصة.
——————————————————————
* كاتبة تونسية.