تحاليل _ تحاليل سياسية _ السبسي ينهي صراع الإرادات بين الشركاء في وثيقة قرطاج 2، ويدفع الخلافات على الشّاهد إلى قبّة البرلمان.
نأى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بنفسه عن الخلافات الدائرة بشأن بقاء رئيس الحكومة يوسف الشاهد من عدمه، وحثّ المطالبين بتغيير الشاهد على الذهاب إلى البرلمان ما اعتبره مراقبون خطوة ذكية لإنهاء أزمة ساهمت في إرباك الحكومة وتعطيل التزاماتها دون الانحياز لأي جهة.
وعقد مسؤولو الأحزاب والمنظمات التونسية المعنية بوثيقة قرطاج 2، الجمعة اجتماعا برئاسة قائد السبسي، للنظر في الملفات الاقتصادية والاجتماعية التي رحّلتها لجنة الخبراء المنبثقة عن الوثيقة، إلى جانب الحسم في مصير حكومة يوسف الشاهد.
وأكد السبسي في كلمة افتتح بها الاجتماع الذي وصف بالمفصلي في سياق صراع الإرادات الذي يعكسه السجال السياسي المتعلق بملف بقاء أو رحيل الشاهد، أن هذا الاجتماع “سيكون الأخير في وثيقة قرطاج 2، وأنّه لن تكون هناك وثيقة أخرى”.
وبعد أن أكد في كلمته وجود خلافات حول النقطة الـ64 من مشروع وثيقة قرطاج 2 التي تنص على إجراء تعديل حكومي، اعتبر السبسي أن تلك الخلافات “ليست جوهرية”، وقال إن “تغيير الحكومة أو رئيسها ليس من مسؤلياتنا وأن الجميع يدرك أن التغيير يمر عبر مجلس نواب الشعب، وليس من دوري الدخول في حوار تغيير الحكومة الذي يتطلب تمشيا دستوريا، ولكني لا أستطيع أن أمنع من ينادون بتغيير الحكومة”.
وطرح الرئيس التونسي ثلاث فرضيات بشأن مصير حكومة يوسف الشاهد بقوله “يجب أن يُتّفق حول النقطة الخلافية التي تخص مستقبل الحكومة الحالية دون مشاركتي الشخصية إما بالاتفاق أو بالإلغاء أو بتركها نقطة خلاف تتمّ مناقشتها لاحقا”.
واعتبر الكثير من المتابعين للشأن السياسي التونسي أن السبسي تمكّن بدهائه وحنكته من ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد أي عدم الدخول في خلافات مع أي طرف حزبي أو منظمة وطنية من المشاركين في صياغة وثيقة قرطاج 2.
وبخلاف سيناريو 2016 الذي كانت فيه الكلمة الفصل للسبسي وقت التخلي عن الحبيب الصيد وتكليف يوسف الشاهد بتشكيل الحكومة، تجنّب الرئيس التونسي التصريح بموقفه الشخصي بشأن مصير الحكومة الحالية بدعوته كل الأطراف المشاركة في مفاوضات قصر قرطاج إلى التوافق حول هذه النقطة الخلافية.
ويرجع مراقبون هذه الخطوة إلى قدرة الرئيس التونسي على احتواء كل الأطراف برغم اختلافاتهم خصوصا أنه يعلم مسبقا أن طرح فكرة الإبقاء على الشاهد قد تغضب اتحاد الشغل وتدفعه إلى إعلان الانسحاب من وثيقة قرطاج.
من جهة أخرى، راهن السبسي وفق الملاحظين على التوفيق بين مختلف المواقف باعتبار أن حركة النهضة الإسلامية الشريكة في الحكم بدورها تدافع رفقة 3 أحزاب بشراسة عن بقاء يوسف الشاهد إلى حدود عام 2019.
كما تجنب السبسي خلال اجتماع الجمعة، الانحياز إلى موقف نجله حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لحزب نداء تونس المتجند في الفترة الأخيرة لإقالة الشاهد وحكومته.
وعلى عكس الترقب من قبل الأحزاب المشاركة في الحكومة، اختار السبسي رغم أن صلاحياته الدستورية تسمح له بتكليف رئيس حكومة جديد، ترحيل ملف مصير الشاهد وحكومته إلى قبة البرلمان في إشارة واضحة إلى أن الإقالة ليست بيده بل بيد نواب المجلس والذي من صميم صلاحياته توجيه لائحة لوم للحكومة قد تؤدّي إلى حجب الثّقة منها.
وقال الصحبي بن فرج النائب بالبرلمان والقيادي بحركة مشروع تونس إن الخطوة التي اتخذها قائد السبسي هي في الاتجاه الصحيح باعتبار أن استقالة رئيس الحكومة أو إقالته تكون دستوريا ضمن ما نص عليه الدستور فقط وليس بما يحدث الآن في قصر قرطاج”.
وتأتي خطوة الرئيس السبسي عقب عزم نواب من البرلمان الإمضاء على عريضة للمطالبة بعقد جلسة عامة طارئة للنظر في ما اعتبروه “سطو رئاسة الجمهورية على صلاحيات البرلمان من خلال تجاوز صلاحياتها الدستورية في علاقة بالمشاورات الحاصلة حول وثيقة قرطاج 2 ومسألة تغيير الحكومة من عدمه”.
ومن يقرأ بين السطور، يفهم أن الرئيس السبسي ترك الباب مفتوحا أمام بقاء أو رحيل الشاهد، كما ألقى الكرة في ملعب المعنيين بوثيقة قرطاج 2، بمعنى إما التوافق بالإجماع على تغيير رئيس الحكومة، وإما إفساح المجال أمام بقائه في منصبه.
غير أن تأكيده أن اجتماع الجمعة هو الأخير، وأنه لن تكون هناك وثيقة أخرى، يُستشف منه، أن الصراع حول بقاء أو رحيل الشاهد، قد وصل إلى نهايته بعد أن تم تجاوز رهان الربع ساعة الأخير الذي تمحور حول محاولة كل طرف فرض المزيد من الشروط والشروط المتبادلة.
وكشفت مصادر مقربة من القصر الرئاسي أنّ السبسي استبق اجتماع الجمعة بعقد اجتماع مع راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، مساء الخميس، تمّ خلاله التطرق إلى رحيل الشاهد أو بقائه.
وأكّدت المصادر أن نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل، الذي كان قد اجتمع في الصباح مع السبسي، التحق بالاجتماع الليلي، لتتضح بعد ذلك معطيات جديدة في خارطة المواقف، التي يُفترض بحسب مصادرنا أن تُترجم في اجتماع الجمعة بالمخارج الممكنة.
وذهبت إلى القول إنه تم خلال ذلك الاجتماع الليلي الاتفاق على ضرورة رحيل يوسف الشاهد وحكومته عبر آلية الاستقالة، وليس عبر المسار الدستوري أي الذهاب إلى البرلمان.
ويبدو أنّ الشاهد كان يتمسّك بهذا المسار كورقة أخيرة في سياق مناوراته للبقاء في منصبه، حيث يعوّل على الانقسامات الحادّة داخل البرلمان التي برزت من خلال العريضة التي وقعها عدد من النواب يطالبون فيها بعقد جلسة برلمانية للنظر في ما وصفوه بـ”سطو رئاسة الجمهورية على صلاحيات البرلمان”.
وكان ظهور يوسف الشاهد من جديد أمام الرئيس السبسي قبل نحو 24 ساعة من اجتماع الجمعة لمسؤولي الأحزاب والمنظمات الوطنية المعنية بوثيقة قرطاج 2، كافيا لإفهام الجميع أن الأمور لم تصل بعد إلى حد الاستعصاء الذي يُبقي الأزمة مفتوحة على المجهول.