تحاليل _ تحاليل سياسية _ الشّاهد في الولايات المتحدة: هل تلجأ أمريكا لـ«مقايضة» تونس حول بعض المواقف السياسية؟ |بقلم: حسن سلمان.
بدأ رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، منذ يوم الأحد، زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية تستمر أربعة أيام، وتأتي الزيارة في ظلّ أوضاع سياسية وأمنية متوترة تعيشها المنطقة العربية عموما، ومع استمرار تردّي الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس، وقبل أيام من تعديل حكومي يُفترض أن يجريه الشاهد بعد عودته من واشنطن.
وتكتسي الزيارة طابعا سياسيا واقتصاديا وأمنيا، حيث تأتي في ظل الأزمة المستمرة في الخليج العربي، والتي اختارت تونس موقفا محايدا تجاهها، فضلا عن التطورات الأمنية الأخيرة في كل من ليبيا وسوريا والعراق وخاصة في ما يتعلق ببداية انحسار تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) وعدد من التنظيمات المتطرفة الأخرى، كما أنها تأتي إثر زيارة وفد من الكونغرس الأمريكي لتونس ومناقشة إلغاء المقترح المتعلق بتقليص المساعدات الأمريكية إلى تونس، والذي ورد مؤخرا في مشروع ميزانية 2018 للولايات المتحدة.
ويرى المؤرخ والباحث السياسي د. عبد اللطيف الحنّاشي أن زيارة الشاهد للولايات المتحدة تدخل في إطار تعزيز العلاقات المشتركة بين البلدين والتي تمتد لأكثر من قرنين، مشيرا إلى أن هذه الزيارة «لها أهمية كبيرة للبلدين، نظرا للأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها تونس، والأوضاع الإقليمية في ليبيا والعراق وسوريا وتداعياتها على تونس، ومن ثم السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة بعد زيارة ترامب للسعودية واجتماعه بنحو خمسين من رؤساء الدول الإسلامية (بمن فيهم الرئيس الباجي قائد السبسي)، وخاصة تونس موجودة في «التحالف الإسلامي العسكري ضد الإرهاب»، وقد يساهم هذا في تسهيل مهمة رئيس الحكومة التونسية فيما يتعلق بمحاولة طلب المساعدة الأمريكية عل الصعيد السياسي والاقتصادي».
ويضيف في حوار خاص مع «القدس العربي»: «للأسف، تمت مؤخرا مناقشة تقليص المساعدات الأمريكية إلى تونس، وعموما القرار ما زال غير نهائي والزيارة قد تساهم بدفع ترامب لاتخاذ إجراءات في صالح تونس (احتمال التراجع عن القرار)، كما أن الزيارة تأتي بعد زيادة وفد من الكونغرس الأمريكي إلى تونس ولقائه مع الرئيس الباجي قائد السبسي، وفي تلك الزيارة قدمت تونس طلبات اقتصادية وعسكرية للولايات المتحدة. ومن جهة أخرى تشكّل الزيارة مناسبة لمقابلة رئيس البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وعدد هام من المستثمرين الأمريكيين في محاولة لدفعهم لإنقاذ الوضع الاقتصادي الذي تمر به تونس».
ويرى بعض المراقبين أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تلجأ إلى أسلوب «المقايضة» الذي تعاملت به مع بعض الدول الأخرى، بهدف الضغط على تونس ودفعها لاتخاذ بعض المواقف السياسية تجاه القضايا القائمة في المنطقة.
ويعلّق الحناشي على ذلك بقوله «سياسة ترامب براغماتية مطلقة وشعاره «أمريكا أولا» وقد يطلب من تونس طلبات عجز سلفه باراك أوباما عن طلبها في السابق، فهو يتعامل بعقلية رجل الأعمال وليس رجل السياسة وربما قد يدفع الإدارة التونسية لاتخاذ مواقف سياسية أكثر «وضوحا» تنسجم مع السياسة الأمريكية تجاه الوضع الموجود في الخليج العربي والشرق الأوسط عموما، ولو أن الإدارة الأمريكية الحالية تتخذ الآن مواقف متناقضة تجاه الأزمة الحالية في الخليج، ويمكن القول إنها تقوم بمناورة تدخل في إطار «الابتزاز» أو الحصول على أكثر ما يمكن من المال والمواقف السياسية لصالحها من دول المنطقة». ويستدرك بقوله «ولكن أعتقد أن ما ستطلبه إدارة ترامب من تونس سيكون محدودا، وخاصة أن تجربة الانتقال الديمقراطي التي تعيشها تونس تحظى بدعم غربي كبير، ولا أعتقد أنه سيتم التطرق بشكل كبير إلى موضوع الإسلام السياسي، فالولايات المتحدة تؤيد تجربة التوافق (بين نداء تونس والنهضة) الموجودة حاليا في تونس، وبالتالي لا أعتقد أنه سيتم دفع تونس لاتخاذ مواقف تمس الواقع السياسي القائم في البلاد».
ويشير، في السياق، إلى أن تونس تتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة وخاصة أن موقعها له أهمية ذات بعد استراتيجي، فهي تقع بين دولتين مهمتين (الجزائر وليبيا) تمتلكان الطاقة الأولية المتمثلة بالنفط والغاز، كما أن تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس تبدو فريدة في نوعها باعتبار نجاحها – على المستوى السياسي على الأقل – إلى الآن، وهناك تشجيع من قبل بعض مؤسسات الإدارة الأمريكية (وزارة الخارجية وغيرها) لهذه التجربة ودعمها في ظل التنافس الصامت بيت الولايات المتحدة وأوروبا لتعزيز نفوذها في شمال افريقيا عموما، إضافة إلى العلاقات المتينة على الصعيد السياسي والعكسري بين الجانبين.
وشهدت العلاقات التونسية الأمريكية تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، وخاصة في إطار «الشراكة الاستراتيجية» التي تم اعتمادها مؤخرا بين البلدين، حيث حصل تونس خلال السنوات الأخيرة على دعم مالي وعسكري كبير من الولايات المتحدة لتعزيز جهودها في مكافحة الإرهاب المتنامي في المنطقة.
وحول تأثير نتائج زيارة الشاهد للولايات المتحدة حول التعديل الوزاري الذي يفترض أن يتم الإعلان عنه في منتصف الشهر الحالي، قال الحناشي «النظام السياسي القائم في تونس هو شبه برلماني، وبالتالي فالبرلمان يؤدي دورا أساسيا في أي تشكيلة حكومية مقبلة، والحديث عن احتمال محاولة الولايات المتحدة أو حلفائها التدخل في التعديل الحكومي المقبل باتجاه تقليص وجود الإسلاميين هو غير دقيق، وخاصة أن تونس ترفض التدخل في سيادتها من قبل أي طرف».
وأضاف «كما أن مشاركة الأطراف الإسلامية في الحكومة محدودة أساسا، فعدد وزراء النهضة لا يمثل حجم الحركة في البرلمان التونسي، وهذا الأمر ينطبق – نوعا ما – أيضا على نداء تونس، فالحكومة الحالية ليست حكومة أحزاب بشكل أساسي، وأعتقد – حسب بعض الأخبار المتواترة – أن الشاهد سيحاول في التشكيلة القادمة الابتعاد عن إشراك الأحزاب بشكل مباشر في الحكومة، وقد يعتمد أساسا على بعض الكفاءات أو الأشخاص القريبين من هذه الأحزاب دون أن يكونوا من ضمن قياداتها».
وكان عدد من الأطراف السياسية والاجتماعية طالبوا مؤخرا رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالإسراع في إجراء تعديل وزاري لملء الحقائب الشاغرة واستبدال بعض الوزراء الذين قدموا أداء «ضعيفا» أو أولئك الذين ترتبط بهم شبهات فساد.