الفرنسيون يختارون تجديد نخبهم السّياسية. |بقلم: خليل سعيد.
الجمعي الصحبي العليمي
24 أبريل، 2017
تحاليل سياسية
1,149 زيارة
تحاليل _ تحاليل سياسية _ الفرنسيون يختارون تجديد نخبهم السّياسية. |بقلم: خليل سعيد.
لم تحمل نتائج الدّور الأول من الإنتخابات الرّئاسيّة الفرنسية مفاجئة من حيث النتيجة بقدر ما جسّدت إيمان الفرنسيين بقيمة المساهمة في الممارسة الديمقراطية و تطلّعهم لتجديد نخب المشهد السيّاسي التّقليدية. إذ لم يفلح الحادث الإرهابي الذي عرفته باريس يوم الخميس الماضي من تقليص نسبة المشاركة التي تقارب 70%، كما لم يمنع ضعف النقاش السياسي حول مضامين البرامج المعروضة الناخبين من الحسم في إختياراتهم التي حملت إيمانيويل ماكرون و مارين لوبان إلى الدور الثاني من سباق الرئاسة الفرنسي.
حسابيا، فرنسا إختارت رئيسها هذا الأحد، فكل إستطلاعات الرأي التي تدعمها دعوات باقي المرشحين للتصويت لصالح قائد حركة إلى الأمام، وقطع الطريق أمام المشروع القومي الذي بات يأسر نسبا كبرى من المواطنين، تؤكّد أنّ الشّاب ماكرون سيكون سيد الإيليزيه للسنوات الخمس المقبلة. وإن كان الأمر اليوم واقعا تفرض الديمقراطية إحترامه، فإنّه من الأساسي قراءة الإختيار الفرنسي بتمعّن لقيمته في بناء أوروبا الغد وموقعها على السّاحة الدّولية بما تعرفه من بوادر صراعات عالمية وما تعيشه من غطرسة سياسية لرؤساء باقي القوى، تجعل نزوات صناعة الحروب أقوى من تعقّل ديبلوماسية السّلام.
الفرنسيون إختاروا أولا ككثير من الشعوب الأوروبية قبلهم معاقبة القوى السياسية التّقليدية، فاليسار بنسبة 6% من الأصوات يتجه نحو الإنهيار الحتمي، واليمين مع تحصّله على 20% سيعيش دون شك حملّة من تحميل المسؤوليات وموجة من الإنقسامات، وهو ما سيحمل للمشهد السياسي الفرنسي ظهور قوى جديدة، أوّلها تيّار ميلونشون الذي وإن لم يفز مشروع التّغيير الجدري الذي قدّمه بمقعد في الدّور الثاني، فقد نجح في بناء لبنات يسار جديد يحظى بإحترام شعبي أكيد وثانيها تيار ماكرون ذاته الذي لاتزال معالمه في طور البناء.
الفرنسيون بمجموع الأصوات الممنوحة للسيّدة لوبان والسيد ميلونشون قد وجهوا رسالة ثانية لسياسيهم، مفادها رفضهم للإتحاد الأوروبي في صيغته الحاليّة. هم متعلّقون بسيادتهم الوطنيّة التي تجعل البلد أقوى، وغير قادرين على تحمّل منافسة حريّة تنقّل الأشخاص لهم على مستوى فرص العمل وحريّة تنقّل البضائع على مستوى كلفة الإنتاج الوطنيّة التي ترفعها تلقائيا تباينات الحقوق الإجتماعية والسياسات الضريبة بين مكونات الإتحاد.
الإنتخابات أظهرت أيضا بما لا يحمل شكّ، أن الشعب الفرنسي حيّ سياسيا، لا يقبل تسليم أموره لساسته تلقائيا دون محاسبة. بل إنّ التغيير السّياسي وإن أجّل اليوم فإنّ قدومه حتمي، إن لم يفلح صنّاع السياسة من إستيعاب تطلّعات المواطنين وتجديد الخطاب والبرامج بما يحتوى مطالبهم. كما أنّ ما عاشته هذه الحملة من فضائح أخلاقية طالت بالخصوص مرشّح اليمين الخاسر يحمل من الدّروس ما يجعل السياسين مطالبين بمثالية في ممارستهم للعمل العمومي، ويجعل المواطنين أقلّ صبرا على تجاوزاتهم.
إن كان الدّور الثّاني شبه محسوم، فالتّحدي الأكبر الذي ينتظر الفائز سيكون دون شكّ تكوين أغلبية برلمانية صلبة تدعم برنامجه السّياسي. ومع أنّ السّيدة لوبان قادرة على حصد ما يناهز 7 ملايين صوت في الدّور الرّئاسي الأوّل، فإنّ الإنتخابات البرلمانية لها حسابات خاصة، إذ لم يفلح تزايد الإقبال على أفكار الحزب في منحه أكثر من مقعدين برلمانيين في الإنتخابات السّابقة، والأمر يرجع لصيغة الإقتراع المؤسسة على دورين ثانيهما لازال مستعصيا على مرشّحي الجبهة الوطنية. أمّا ماكرون الذي لا ينتمي من الأساس لآلة حزبية، فالمغامرة التّشريعية أمامه ستكون تحدّيا جديدا قد يفلح في تجاوزه بالإعتماد على حلفه مع حزب الوسط الذي يقوه بايرو، ودعم لوائحه بكبار نواب الأحزاب التّقليدية الذين تخلو عن مرشّحي أحزابهم ودعمو ترشيحه، لكن الصّيغة هذه ستضرب مصداقيته التي بنيت على وعد بتغيير النّخب السياسية و القطع مع وجوه الماضي. وهو نفس الإشكال الذي سيواجهه ماكرون في تشكيله لحكومته التي قد تذهب رئاستها لجيرار كولومب عمدة ليون عن الحزب الإشتراكي أو فرانسوا بايرو عمدة بو عن حزب الوسط، كما قد تعرف عودة دوفيلبان المعروف بحكمته للخارجية في مشهد قد يرى إعادة تشكيل للماضي بدل تجديد للحاضر.
أيّا كان الفائز بعد أسبوعين من الآن، ففرنسا بين يديه ستكون مختلفة. بين إمرأة وشاب، مشروع قومي وآخر منفتح على أوروبا، سخاء إجتماعي وتحرير إقتصادي، يقبع مشروعان سياسيان مختلفان، ستنطلق حملة الإقناع بمضمونيهما فعليا منذ صباح اليوم. والأكيد أنّ الجمهورية قد إختارت ببلوغهما للدور الثّاني تغييرا حقيقيا سيجعلها غدا أرضا لأفكار سياسية وإجتماعية جديدة. وتظل القيمة الأساسية للممارسة الديمقراطية، في قدرة الشّعوب على صياغة التغيير السلمي عن طريق إختيارت حرّة قائمة على صراع الأفكار لا الأشخاص. فمتى نعيش نحن كعرب أيّام نكون فيها سادة مصيرنا وتحمل فيها مواطنتنا معنى إنسانيا حقيقيا؟