تحاليل _ تحاليل سياسية _ الفشل والنجاح في القِمّة العربية بعَمّان!!. |بقلم: جمال سلطان*.
انفض مؤتمر القمّة العربية الأخيرة المنعقد في العاصمة الأردنية عمّان بنتيجة اعتيادية ولم تكن مفاجئة لأحد، حيث بيان باهت يتحدّث بلغة أشبه باللغة الصحفية عن القضايا العربية الكبيرة، وخاصة القضية الفلسطينية والشأن السوري والعراقي واليمني، دون التزام بأي موقف عملي محدّد أو أي مشروع ذي معالم سياسية مفهومة، وإن كانت اللهجة بدت أكثر حسما ووضوحا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، باعتباره تهديدا كبيرا للمنطقة العربية، وخاصة على صعيد الاستقرار والأمن واليقين بمستقبل النظام السياسي.
لاحظت أنّ ردود الفعل على القمة وعلى بيانها كان هادئا وضاحكا ومهتما أكثر بالقفشات التي تحدث عادة فيها، صحيح أن “المهرّج” معمر القذافي غاب عنها، وكان بطل هذه الاحتفالات الكوميدية عادة، ولكن قمّة عمّان شهدت “قفشات” عديدة من مثل سقوط الرئيس اللبناني متعثّرا في “سلمة” صغيرة بإحدى القاعات، وتعثّر الشيخ محمد بن راشد عند نزوله من الطائرة، إضافة إلى الصور التي التقطت لزعماء وهم نائمون من فرط الإرهاق وربما من فرط الإحساس برتابة المشهد وأنه لا يحمل أي إثارة أو شيء مهم أو قرار مفاجئ أو تحد استثنائي.
منذ سنوات طويلة، والقمم العربية التي تنعقد دوريا فقدت قدرتها على صياغة قرارات عربية كبيرة أو حاسمة، وحتى ما تفضي إليه من أفكار مشتركة ـ وهو نادرا ما يحدث ـ يتمّ تجميده عقب انفضاض الجمع، مثلما حدث في القوّة العربية المشتركة التي كانت قد اقترحتها مصر واحتفلت بها كثيرا ثم طواها النسيان، وفي الحقيقة من الصعب أن نطلب من تلك القمم أكثر من الحفاظ على “ذكرى” الرابطة العربية والهوية العربية والوحدة العربية، وهي معان ـ رغم كل شيء ـ لها أهمية كبيرة تاريخيا واستراتيجيا، صحيح أنها بلا انعكاس عملي أو واقعي الآن، ولكن بقاء الفكرة حية مطلب في حد ذاته، حتى يأذن الله بصلاح الحال وتبدل الأمور، كذلك الحفاظ على الجامعة العربية كمؤسسة سياسية جامعة هو مطلب قومي وعروبي مهم للغاية، فالمؤسسات عندما تضعف لا يعني ذلك أن نحكم عليها بالموت، فتلك مؤسسة وصلت إلى ما يقرب من السبعين عاما من عمرها، فهي إرث أجيال عربية، فمن العبث والهراء والمراهقة السياسية أن نطالب بهدمها أو وأدها أو إعلان وفاتها، ولو كانت كل مؤسسة تضعف أو تترهل نحكم بموتها لما بقت للعرب مؤسسة ولا وطنية ولا قومية، فالحفاظ على المؤسسات قيمة في حد ذاته، ويبقى الأمل معقودا على نهضتها وتفعيلها، حتى لو كان في جيل غير الجيل الحالي.
دخول العالم إلى مرحلة القرية الكونية الواحدة، ساهم في إضعاف الجامعة العربية وتهميش دورها، لأنه لم تعد هناك قضية عربية كبيرة إلا ولها تقاطعات دولية أكبر، وتتداخل فيها مؤثرات دولية أهم وأخطر من المؤثرات العربية أو الإقليمية، ويشمل هذا كل الملفات المفتوحة جراحها الآن في المنطقة العربية، من أول قضية فلسطين إلى القضية السورية إلى القضية الليبية إلى الأزمة اليمنية إلى الملف العراقي، فالتأثير الأمريكي أو الروسي أو الفرنسي أكثر حضورا وفاعلية في توجيه الأحداث من أي تأثير عربي، وفي سوريا على سبيل المثال لا تملك أي دولة عربية كما لا يملك نظام بشار ولا حتى قوى الثورة والمعارضة أن تغير أي واقع سياسي أو عسكري حاسم أو حتى إنساني بدون قرار موسكو أو واشنطن، وحتى تركيا، على قدرها وحضورها الإقليمي والدولي المهم، وكونها عضوا في الناتو، لم تستطع أن تتجاوز خطوطا حمراء ضيقة في شريطها الحدودي مع سوريا، فما بالك بالجامعة العربية. أيضا، في الملفات العربية بالكامل، لا توجد هناك أي رؤية مشتركة، ولا حتى مصالح سياسية واستراتيجية مشتركة في أي ملف من تلك الملفات النازفة، فهناك دول تلعب مع بشار الأسد ولا تخفي مساندتها له، وهناك دول تطالب برأسه ورأس نظامه كمسألة وجود، وهناك من يدعمون حفتر في ليبيا وهناك من يدعمون خصومه، وهناك من يتحالفون مع الحوثيين في اليمن علنا وهناك دول تخوض حربا مصيرية ضد الحوثي كرأس حربة للنفوذ الإيراني في المنطقة، وهكذا، وكل كتلة سياسية عربية أصبحت تطلب المدد والتحالف مع عاصمة أو أكثر من عواصم القوة الغاشمة، موسكو أو واشنطن، لتغليب رؤيتها أو دعم موقفها أو حسم معركتها، وكل هؤلاء الأنداد يجتمعون في القمة العربية، فما الذي كنا ننتظره منها أكثر من ذلك البيان “الصحفي” ؟!.