تحاليل _ تحاليل سياسية _ المؤسّسة الأمنية التونسية: هل حلّ موسم مواجهة التحدّيات؟ |بقلم: علي عبد اللطيف اللافي.
كشفت العمليات الإرهابية التي جدت في تونس بعد الثورة (رغم أن الإرهاب سابق للثورة على غرار أحداث: الغريبة 2002 – تمغزة في التسعينات –سليمان 2006)، عن طبيعة التحديات التي من الممكن عمليا أن تُواجه المؤسسة الأمنية التونسية خلال السنوات القادمة وبناء على ذلك ونتاج جملة التطورات في الأيام الماضية وطنيا وإقليميا ودوليا، فانه وجب إبداء جملة من الملاحظات في هذا الإطار لعل أهمها:
1– أولى التحديات التي ستُواجه المؤسسة الأمنية سياسية بالأساس باعتباره أنّه على الدولة أن تكون قادرة على معالجة الملف الأمني بجميع مُكوّناته الاجتماعية والاقتصادية والقضائية والسياسية والعسكرية، ووضعه في إطار تصوّر شامل تكون فيه المنظومة الأمنية في خدمة التونسيين أولا وأخيرا وبعيدا عن التسييس والتجاذب وأن تكون أيضا رديفا للتنمية، وعليه فانه من الضروري إعادة النظر في السياسة الأمنية السابقة التي كانت تُقوم في عهد الرئيس المخلوع على تحقيق الاستقرار و أمن الدولة والنظام فقط، ومراجعتها على أساس الاعتراف بالارتباط الوثيق بين التنمية والأمن بشكل تصبح فيه المؤسسة الأمنية شريكا في إرساء مناخ اجتماعي واقتصادي وسياسي مناسب للتنمية وساهرة على استقراره، وهو ما يعني آليا ضرورة رفع حالة الطوارئ والحفاظ على استقرار في الوزارة عبر تثبيت الوزير الحالي والمدير العام لسنوات حتى يمكن بناء استقرار اداري للمؤسسة الأمنية …
2– أنّ الدور الذي يمكن أن تقوم به المؤسسة الأمنية في المسار الديمقراطي والتنموي يبقى رهين التزامها بقواعد الديمقراطية ومبادئها وخضوعها إلى أنظمة الرقابة والمحاسبة، والقانون وهنا يكمن التحدي الثاني، ولقد نجحت حكومات ما بعد الثورة وبشكل نسبي، في بعض نقاط لا يمكن نُكرانها و خاصة بعد جملة الإجراءات لصالح الأمنيين والتي أصر عليها الوزير الأسبق “لطفي بن جدو”، بعد اتخاذه خطوات عملية وإجرائية، كما وجب التأكيد أنّ الانفلات الأمني أصبح حالات محصورة و معز
ولة حيث تقلص تدريجبا منذ مارس 2013 رغم تعدد الاحتجاجات الاجتماعية منذ فيفري 2015، و رغم الصدمات التي أحدثتها بعض العمليات الإرهابية الجبانة، مما فرض خطوات عدة لمزيد بسط الأمن وحماية الأمنيين، كما لابد من اتخاذ خطوات اللاحقة لو اقتضى الأمر إعفاء البعض ممن يحنون لفترة الرئيس المخلوع والعودة الى سياساته الخرقاء والتي أضرت بالأمنيين قبل غيرهم (1)
3– إنّ تغيير النظرة إلى رسالة قوات الأمن ليس بالمسؤولية الوحيدة لهياكل الأمن والأجهزة المشرفة عليها، بل لابد أن تشترك في ذلك جميع مكونات المنظومة الأمنية، ونخص بالذكر وسائل الإعلام والمواطنين، ولكن المسؤولية كذلك هي على عاتق وسائل الإعلام التي لها من الإمكانيات ما يجعلها قادرة:
أ– على فتح الملف الأمني في هذه المرحلة من بناء الجمهورية الثانية و أيضا عبر مناقشة الوضع والتحديات والخيارات ولكن بحرفية ومهنية واحترام مختلف وجهات النظر لا الاستماع فقط لبعض نقابات أمنية بعينها على غرار ما تفعله بعض قوات وبعض إذاعات قديمة ولغايات معلومة..
ب– لعب دور الرقيب على الأجهزة الأمنية (وهو أمر جدّ ضروري بل و أمر لا مفرّ منه في كلّ مجتمع يُقِرّ بالديمقراطية وبوسائل تحقيقها)….
ج– بربط قنوات الاتصال ولو بشكل غير مباشر بين المؤسّسة الأمنية والمنتفعين بالخدمة الأمنية عبر برامج واضحة وفعلية وتشمل كلّ القرى والمدن في تونس كل تونس من بنزرت الى تطاوين أي جنوبها وشمالها وشرقها وغربها لان الهدف من سياسات الدولة وأجهزتها هو في الأخير، إسعاد الناس كلّ الناس والأرض كلّ الأرض…
ت– بتمكين المواطنين من بلورة تصوّراتهم والتعبير عن هواجسهم وحاجياتهم الأمنية، وإذ نُؤكّد على دور وسائل الإعلام في ضمان الشفافية في العلاقة بين الأمن والموطن، فإنّه من الضروري التأكيد على وجوب تحلّي الأعلام بالمسؤولية والحياد؛ وهو ما يطرح بدوره مسألة إصلاح قطاع الإعلام في حدّ ذاته عبر خطّة متكاملة وعلى مدى طويل…
4– أن يستوعب الأمنيون والسياسيون و خاصّة الرئاسات الثلاث، أنّ تحدّيات جدّية إقليمية ودولية ستنعكس بالضرورة على تونس وأمنها، لأنّنا أصبحنا في حالة استنفار مستمرة نتاج التطوّرات العلمية والتكنولوجية و باعتبار أنّ العالم أصبح قرية مفتوحة يتفاعل آنيا وفقا لمنطق التأثير والتأثّر الحينيين، وهو ما يعني أنّ مؤسّسات الدراسات السياسية والأمنية والعسكرية يجب تطويرها وتمكينها من كلّ الآليات والتحيين التكنولوجي لإمكاناتها وطرق استشراف أدوارها المستقبلية حتى يبقى المجتمع التونسي مُحصّنا وقادرا على التفاعل والتطوّر الخادم لأفراده وحصنا للسيادة الوطنية ضدّ الاختراق الثقافي والسياسي والاجتماعي ، ذلك أنّ الأمن مفهوم متطوّر بتغير الأنساق والآليات وبتغيّر أنساق العلاقات الدولية والاقتصادية بين الدول …
————————————————————————————————————–
[1] عمليا والذي أدار المؤسسة الأمنية من وراء حتى وزرائه الذين كانوا مجرد ديكور وأدوات تنفيذية لسياساته الخرقاء، والجميع يذكر الاقتراح المهزلة الذي تمّ إسقاطه منذ سنتين والمتمثّل في مقترح مهزلة مجلس حكماء الأمن…———————————————————
* علي عبد اللطيف اللافي / باحث ومحلّل سياسي تونسي.