تحاليل _ تحاليل سياسية _ تصويت برلماني في تونس يُخلخل أركان التّوافق بين النّهضة والنّداء.
حسم مجلس نواب الشعب (البرلمان) التونسي، الجدل حول مدّة عمل هيئة الحقيقة والكرامة، بالتصويت ضد قرار التمديد لها لمدة عام إضافي، وسط أجواء تؤشر إلى بداية نهاية التوافق الذي يُوصف بـ”المغشوش” بين حركتي نداء تونس والنهضة الإسلامية.
وجاء هذا التصويت خلال جلسة عامة اتسمت مداولاتها، التي تواصلت لساعة متأخرة من ليل الاثنين-الثلاثاء، بصخب حادّ كشف مدى هشاشة ذلك التوافق الذي شوّه توازنات المشهد السياسي في البلاد طيلة السنوات الماضية.
وصوت 68 نائبا ضد التمديد لهيئة الحقيقة والكرامة، فيما تحفّظ نائبان، وذلك من أصل 70 نائبا شاركوا في التصويت، بينما اختارت حركة النهضة الإسلامية التي عادت إلى تحالفاتها خلال مرحلة حكم الترويكا، عدم التصويت، والانسحاب من الجلسة قبل دقائق من بدء عملية التصويت.
وتباينت الآراء والمواقف حول الشرعية القانونية للتصويت المذكور، حيث قال عضو هيئة الحقيقة والكرامة عادل المعيزي، إن عمل الهيئة “قانوني وينتهي بنهاية شهر مايو القادم، وأنها قررت التمديد لأعمالها استنادا إلى القانون الأساسي للعدالة الانتقالية”.
ولم يتردد المعيزي في اتهام البرلمان بـ”التدخل في عمل الهيئة وضرب استقلاليتها”، لافتا إلى أن الفصل 32 من القانون الأساسي للعدالة الانتقالية يشير إلى أنه لا يمكن لأي طرف كان التدخل في أعمال الهيئة أو التأثير على قراراتها.
ومن جهته، أرجع علي العريض نائب رئيس حركة النهضة، عدم مشاركة حركته في عملية التصويت إلى أنه “غير قانوني، لأنه ليس من اختصاص البرلمان التصويت على طلب التمديد”.
وقال في تصريحات للصحافيين، “هناك خلاف بين المختصين في القانون في البرلمان بين من يعتبر أن المسألة غير واضحة وبين من يعتبر أنه ليس للبرلمان الحق في التصويت على هذه المسألة وبالتالي امتنعت حركة النهضة عن التصويت”.
وعلى عكس ذلك، احتفلت حركة نداء تونس بهذا التصويت الرافض لتمديد عمل هيئة الحقيقة والكرامة. وأكدت في بيان لها احترامها لمسار العدالة الانتقالية “كمسار جوهري متكامل لا يمكن اختزاله أو تلخيصه في هيئة الحقيقة والكرامة ولا في الدور ‘المختل والمشوّه’ الذي لعبته رئيسة الهيئة، سهام بن سدرين”.
وأشارت في بيانها إلى أنها “ستتقدم في أقرب الآجال، وبعد التشاور مع بقية الكتل البرلمانية بمشروع قانون أساسي لمواصلة مسار العدالة الانتقالية بعد أن زالت عنها الانحرافات وذلك احتراما لمبادئ الدستور والعدل والإنصاف وحقوق الإنسان، لغاية تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة في أقرب الأوقات”.
غير أن هذا التباين في الآراء والمواقف، قابله إجماع لدى مختلف القوى السياسية التونسية، على أن ما تم ليل الاثنين-الثلاثاء تحت قبة البرلمان، حمل بين طياته رسائل سياسية بالغة الأهمية، باعتباره ألقى حجرا كبيرا في مربع التوافق بين حركتي نداء تونس، والنهضة الإسلامية، حرك مياهه الراكدة إلى حد خلخلة أركانه بقوة.
وقال النائب البرلماني الصحبي بن فرج لـ”العرب”، إن التطورات التي عكستها مداولات البرلمان حول عمل هيئة الحقيقة والكرامة، أشاعت نوعا من التفاؤل الذي يُفترض على القوى الديمقراطية المدنية والحداثية السعي إلى تعميمه على طريق استعادة التحالف بينها لخلق توازنات جديدة.
واعتبر أن تلك المداولات كشفت أن التوافق بين حركتي نداء تونس والنهضة الإسلامية، هش وقابل للكسر، حيث “رأينا أن التناقضات والخلافات بين الحركتين سرعان ما طفت على السطح عند أول منعرج”.
لكنه استبعد أن يُسرع قرار عدم التصويت لهيئة الحقيقة والكرامة في انهيار التوافق بين الحركتين، قائلا “من السابق لأوانه الحديث عن قرب نهاية التوافق بين الحركتين، رغم أن أركانه تخلخلت بقوة”.
ودعا في المقابل القوى التي وصفها بالديمقراطية إلى “التقاط هذه الفرصة، والدفع نحو قلب موازين القوى باتجاه تشكيل مشهد سياسي جديد على قاعدة القواسم المشتركة التي تخدم المشاريع الوطنية المدنية والحداثية الكبرى في البلاد”.
ويرى مراقبون أن كل المؤشرات تدل على أن ما تم تحت قبة البرلمان عكس معركة سياسية ستدور بين فريقين أساسيين؛ الأول وطني مدني حداثي ديمقراطي، والثاني بقيادة حركة النهضة التي لم تتردد في العودة إلى مربع المظلومية والتهديد المُبطن، والاصطفاف مع حلفاء الأمس، الذين حكمت معهم البلاد خلال فترة الترويكا التي امتدت من العام 2011 إلى نهاية العام 2013.
وبدأت ملامح هذه المعركة تتبلور وسط الاتهامات المتبادلة بين الفريقين المذكورين، وعلى وقع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية الهامة، لكن ذلك لا يمنع القول إن التوافق بين حركتي نداء تونس والنهضة الإسلامية يبقى محكوما بعوامل وحسابات أخرى تجعل مآلاته ضبابية لا سيما في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة التي تمر بها البلاد.
————————————————————————————————–
* الجمعي قاسمي | صحافي تونسي.