تحاليل _ تحاليل اقتصادية _ تونس تلجأ لتعويم الدّينار جزئيا لامتصاص أوجاع اقتصادها.
أعلنت الحكومة التونسية أخيرا عن خططها لتعويم الدينار جزئيا، ما يعني بالضرورة، وفق الخبراء، تغييرا جذريا في ملامح السياسة النقدية للبلاد بعد اعتماد البنك المركزي طيلة عقود نظاما نقديا حمائيا للعملة المحلية أمام العملات الرئيسية في سوق الصرف.
أكدت الحكومة التونسية صدق التوقعات التي ترافقت مع الجدل في الأوساط الاقتصادية طيلة الفترة الماضية، عندما كشفت أمس، عن خطط لتعويم الدينار جزئيا بعد ضغوط من صندوق النقد الدولي لإصلاح اقتصادها المتدهور.
وقالت وزيرة المالية لمياء الزريبي إن “البنك المركزي سيقلص تدخلاته لخفض قيمة الدينار تدريجيا ولكنه لن يسمح بانزلاق كبير للعملة المحلية مثلما حدث في مصر عندما جرى تعويم الجنيه”.
وأوضحت خلال مقابلة مع إذاعة اكسبريس إف.إم المحلية الخاصة أن خفض قيمة الدينار أمام العملات العالمية سيكون بشكل تدريجي، لكنها لم تذكر متى سيتم اتخاذ الخطوة التي جاءت متأخرة كثيرا، كما يقول اقتصاديون.
وزارت بعثة صندوق النقد تونس الأسبوع الماضي، للوقوف على مدى إنجاز الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة للإفراج عن القسط الثاني المقدر بقيمة 350 مليون دولار من إجمالي قرض بقيمة 2.9 مليار دولار.
وكشفت وثيقة حكومية قدمت لصندوق النقد أنّ “هناك نيّة لتغيير نمط التدخل في ما يتعلّق بتعديل سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية واستعدادها لإعادة صياغة قانون صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية”.
ويفترض أن يرفع البنك المركزي، المسؤول عن السياسات النقدية في البلاد، يده عن العملة المحلية بشكل جزئي ليتركها تتحرك بكامل حريتها، بحسب قانون العرض والطلب في سوق الصرف.
ورغم أن الخطوة باتت حتمية، إلا أن هناك تخوفا حيال انزلاق كبير ومفاجئ محتمل للدينار ومن شأن هذه الخطوة أن تتسبّب في الكثير من التداعيات السلبية على اقتصاد البلاد المشلول حيث أن الأسعار سترتفع بشكل كامل دون الاقتصار على أسعار السلع الموردة.
ويتوقع الخبير مراد الحطاب حدوث “فوضى في الأسعار” في المدى القريب تشمل المواد الاستهلاكية وغيرها، وهو ما سيزيد في نسبة التضخم بحيث تدخل في حالة انهيار قطاعي وينتج عن ذلك حدوث رجات اجتماعية.
وفي ظل القلق السائد بشأن الوضع الاقتصادي التونسي، فإن التعاطي الرسمي مع الوضع المالي للبلاد يبدو غير ملائم خاصة مع تصريحات كبار المسؤولين في البنك المركزي خلال الفترة الماضية، حول احتمال إفلاس عدد من المصارف.
ويسجل الدينار، منذ جوان الماضي، أدنى مستويات له منذ سنوات بسبب الأزمة حيث بلغ سعره اليوم أمام اليورو 2.61 دينار وأمام الدولار 2.4 دينار.
وكان الدينار يباع في عام 2015 عند مستوى 2.13 دينار بالنسبة إلى اليورو، أي بتراجع يقدر بنحو 14 بالمئة، و1.9 دينار بالنسبة إلى الدولار، أي بتراجع يقدر بنحو 12.2 بالمئة.
ويرجع انزلاق مستوى قيمة الدينار، بحسب الخبراء، إلى اعتزام البنك المركزي وللمرة الأولى في تاريخه عدم التدخل لحماية الدينار في سوق الصرف، وهو ما يعني في نظرهم بداية حقبة تحرير الدينار.
ويعتبر البعض من المحللين أن القيمة الحقيقية للعملة المحلية مقارنة باليورو على سبيل المثال هي ثلاثة دينارات، وأن قيمتها الحالية تحتاج إلى مراجعة عاجلة.
ونقلت رويترز عن المحلل عزالدين سعيدان قوله إن “خفض قيمة الدينار هو إصلاح تعهدت به تونس لصندوق النقد منذ أن دخلت في مفاوضات للحصول على قرض وهو إجراء من شأنه أن يساهم في دفع الصادرات وخفض الواردات وبالتالي خفض العجز التجاري الكبير”.
وأظهرت أحدث بيانات معهد الإحصاء التونسي أن العجز التجاري اتسع في الربع الأول من العام الجاري ليبلغ 1.7 مليار دولار مقابل مليار دولار بمقـارنة سنـوية، أي بارتفاع بنحو 57 بالمئة، وهو ما يتطلب إعادة النظر في عمليات التوريد ولا سيما العشوائية منها.
ومع ذلك، حذر سعيدان من انعكاسات خفض قيمة الدينار إذا لم يكن متبوعا بإجراءات أخرى من بينها مكافحة الاقتصاد الموزاي والتهريب علاوة على القيام بخطوات حمائية بهدف تقليص الواردات.
وتواجه تونس صعوبات كثيرة في طريق إنعاش اقتصادها العليل منذ ست سنوات رغم كل الجهود المبذولة للخروج من نفق الأزمة.
وتضع الحكومة ضمن خططها الإصلاحية الملحة تخفيض عدد موظفي القطاع العام بعرض التسريح الاختياري مقابل مزايا اقتصادية وإصلاح الصناديق الاجتماعية والإدارة والحد من البيروقراطية وإصلاح القطاع المصرفي.
ويقول توفيق الراجحي المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة إن الحكومة ستلتزم ببرنامج إصلاح لغاية 2020 يتضمن التخفيض من المديونية إلى أقل من 60 بالمئة والحد من نسبة عجز الموازنة إلى 3 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي وتقليص نفقات الأجور وتوجيه الدعم الحكومي لمستحقيه ومكافحة التهرب الضريبي والفساد.
وتتوقع تونس أن تتراوح نسبة النمو لهذا العام بين 2.5 و3 بالمئة، في ظل بعض المؤشرات التي توحي بتعافي الأنشطة الاقتصادية رغم تفشي الاحتجاجات في عدة مناطق في الآونة الأخيرة.