تحاليل _ تحاليل سياسية _ تونس: حكومة الشّاهد تدخل مرحلة التصدّع قبل تغييرها.
تتراكم المؤشرات الدالة على أن الحكومة التونسية برئاسة يوسف الشاهد اقتربت كثيرا من الدخول في مرحلة التصدع، وسط عاصفة من الانتقادات جعلت أجواء المشهد السياسي العام في البلاد تدفع نحو اصطفافات جديدة بتجاذبات حزبية لا تهدأ.
ورغم سياسة الهروب إلى الأمام التي انتهجها الشاهد لاحتواء العاصفة التي تُحيط بحكومته، وفي التعامل مع مسلسل الشروط والمطالب التي تدعو إلى رحيله، جاءت استقالة مستشاره الإعلامي مفدي المسدي لتُضفي المزيد من الشكوك حول تماسك فريقه الحكومي، ولتُعزز الانطباع بأن ساعة التغيير اقتربت كثيرا.
وأكد المسدي خبر استقالته من منصبه، التي أرجعها إلى ما اعتبره “حملات شيطنة مُمنهجة” تهدف إلى النيل منه، وطالت عائلته واستهدفت حياته المهنية والخاصة، بحسب نص الاستقالة الذي نشرته وكالة الأنباء التونسية الرسمية.
ولم يكشف المسدي الأطراف التي تقف وراء تلك الحملات التي قال إنها “تعكس ما تردى إليه الوضع السياسي العام بالبلاد من انحدار قيمي وأخلاقي مخيف”.
لكنه أكد أنه “سيختار الوقت المناسب لكشف جميع هذه الأطراف وفضح شبكات المصالح التي تتستر بها، وطبيعة التضييقات والممارسات التي استهدفته”.
وتلقت الأوساط السياسية والحزبية هذه الاستقالة المفاجئة بكثير من الاهتمام، حيث فُهم منها بأنها مُقدمة لهزّة عنيفة ستترتب عليها مصاعب خطيرة قد تصيب تماسك الفريق الحكومي ليوسف الشاهد في صميم أوضاعه الصعبة.
ويجد هذا الفهم صدى له في الانطباعات التي باتت تسود الأوساط القريبة من يوسف الشاهد، التي تتوقع أن تستتبع استقالة المسدي استقالات أخرى تتجاوز في أبعادها فريق المستشارين، لتشمل البعض من الوزراء الذين لهم انتماءات حزبية.
وهو ما سيزيد من التعقيدات التي تواجه الشاهد منذ رفضه لمسار وثيقة قرطاج 2، وهجومه العلني غير المسبوق على حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لحركة نداء تونس.
توقّعات بإعلان مهدي بن غربية استقالته من الحكومة خلال الأسبوع الجاري، إلى جانب وزراء حركة نداء تونس.
ويُدرك الشّاهد أنّه برفضه لمسار وثيقة قرطاج 2، وخاصة منها النقطة 64 التي تنص على رحيل حكومته، قد تسبّب واقعيا في عودة الأمور إلى الوراء من دون القدرة على التحكّم في اتجاهاتها، خاصّة وأن استناده على حركة النهضة وسّع دائرة خصومه وأربك حزامه السياسي.
ويتضح هذا الإدراك الذي جاء متأخّرا بحسب المتابعين للمشهد السياسي التونسي، من خلال تحركات الشاهد الأخيرة التي بدا فيها يسابق الوقت بكل ما أوتي من أوراق سياسية في مسعى لتفادي أي تفاهمات جديدة قد تُخرجه نهائيا من اللعبة السياسية عبر ضرب تماسك فريقه الحكومي، وتجريده من مقومات الاستمرار.
وبرزت خلال اليومين الماضيين جملة من المؤشّرات التي تؤكد أن عددا من وزراء حكومة الشاهد وصلتهم إشارات حول قرب الاستقالة من الحكومة.
ولا تستبعد الأوساط السياسية والحزبية المواكبة لمجريات المأزق الحكومي وتعقيداته، إمكانية إعلان الوزير مهدي بن غربية استقالته خلال الأسبوع الجاري، إلى جانب انسلاخ وزراء حركة نداء تونس من الحكومة.
وهو ما سيعمّق من مأزق الشّاهد ويحول دون ذهابه في مسار التعديل الحكومي الذي لوح بإجرائه كبديل لمسار النقطة الـ64 من وثيقة قرطاج 2.
وتشير المعلومات الواردة من قصر قرطاج الرئاسي إلى أنّ الرئيس الباجي قائد السبسي الذي مازال يلتزم الصمت إزاء ما أقدم عليه يوسف الشاهد في غيابه، كثف من اتصالاته ومشاوراته مباشرة بعد عودته من باريس، في اتجاهين اثنين.
ويتمثل الاتجاه الأول في محاولة ترتيب الأوضاع الداخلية لحركة نداء تونس، والثاني الأهم وهو كيفية الردّ على رئيس الحكومة عبر تحديد الأحجام والأدوار السياسية.
وتقول الأوساط نفسها إنّ صمت السبسي أربك يوسف الشاهد الذي بدا متوتّرا خلال جلسة مجلس الوزراء التي عقدها قبل يومين، والتي أراد منها الإيحاء بأنّ فريقه الحكومي متماسك رغم وطأة المأزق، وما يمكن أن يثيره من تعقيدات وتصادم المصالح بين أفراده.
وانتقل الارتباك إلى حركة النهضة، التي بات التوجّس ينتابها من مجمل مجريات هذه التعقيدات الجديدة بأبعادها التي تتخطى البُعد المتصل بالمسار الحكومي، إلى التساؤل عن مصير التوافق بينها وبين حركة نداء تونس، وخاصّة التوافق بين الرئيس السبسي وراشد الغنوشي.
واتسعت دائرة هذا التوجس منذ فشل اللقاء التشاوري بين السبسي والغنوشي الذي تمّ الخميس الماضي، وهو لقاء تشنّجت فيه المواقف، حيث رفض فيه الرئيس طلب رئيس حركة النهضة استئناف اجتماعات وثيقة قرطاج التي كان السبسي قد علّقها في وقت سابق.
وتخشى حركة النهضة الإسلامية التي تُدرك بأنّ موقفها الرافض لتغيير الحكومة هو الذي دفع يوسف الشاهد إلى الإمعان في تحديه الحالي الذي وصل حدّ الاستعصاء، من أن ينقلب عليها لجهة بلورة توازن جديد أكثر تماسكا واتساعا، لذلك سعت على لسان عبد اللطيف المكي إلى التخفيف من حدّته عبر القول إنّها لا تمانع في رحيل الشاهد شريطة التوافق على بديل له.
وتبعا لهذه الأجواء التي توحي باقتراب حكومة الشّاهد من دائرة التصدع، وبارتفاع حدّة المناورات المتلاحقة، تترقب الأوساط السياسية والحزبية والاجتماعية في البلاد ما ستحمله الأيام القليلة القادمة من تطورات.
_____________________________________________________________________
*الجمعي قاسمي | صحافي تونسي.