تحاليل _ تحاليل سياسية _ تونس: حكومة الشّاهد تواجه اختبار البقاء وسط سيناريوهات مفتوحة على كلّ الاحتمالات.
دخلت الحكومة التونسية برئاسة يوسف الشاهد في صراع مع الوقت في مواجهة اختبار البقاء أو الرحيل، وسط سيناريوهات مفتوحة على مشهد معقّد بسبب أزمات متدحرجة في اتجاهات مختلفة تشي بخارطة سياسية جديدة قد تحدّد ملامح الاستحقاقات القادمة.
وأعطى اجتماع ما تبقى من أقطاب وثيقة قرطاج، الثلاثاء، إشارة دخول حكومة الشاهد في مرّبع هذا الصراع الذي تعدّدت مفاعيله على وقع تزايد الانتقادات والاتهامات بـ”الفشل” التي لم تبددها القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتالت تباعا خلال الأشهر القليلة الماضية.
وعقد قادة الأحزاب والمنظمات الوطنية المعنية بوثيقة قرطاج، الثلاثاء، اجتماعا برئاسة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، حضره راشد الغنوشي عن حركة النهضة الإسلامية، وحافظ قائد السبسي عن حركة نداء تونس، وكمال مرجان عن حزب المبادرة، وسمير بالطيب عن حزب المسار الاجتماعي الديمقراطي، وسميرة الشواشي عن حزب الاتحاد الوطني الحرّ.
وحضره أيضا، نورالدين الطبوبي عن الاتحاد العام التونسي للشغل وهو أكبر منظمة نقابية في تونس، وسمير ماجول عن منظمة أرباب العمل، ومعز زغدان عن اتحاد الفلاحين، وراضية الجربي عن الاتحاد الوطني للمرأة.
وتغيّب عن هذا الاجتماع، الثالث من نوعه في غضون أقل من شهرين، كل من محسن مرزوق عن حركة مشروع تونس، وزهير مغزاوي عن حركة الشعب، وعصام الشابي عن الحزب الجمهوري، وياسين إبراهيم عن حزب آفاق تونس.
وقالت مصادر مقربة من القصر الرئاسي، إن هذا الاجتماع “لم يكن بروتوكوليا، ولم تقتصر أعماله على تقييم الأوضاع العامة في البلاد، وأداء حكومة الشاهد فقط، وإنما ستنجرّ عنه قرارات ومخرجات في سياق أهداف متكاملة تتناول مستقبل الخارطة السياسية في تونس″.
ولم تستبعد المصادر إمكانية الدفع نحو مشهد سياسي جديد، تجمع الأوساط السياسية على أن ملامحه بدأت تتشكّل على ضوء الاصطفافات الحزبية التي جعلت حكومة الشاهد تُدرك أنّها باتت أمام الاختبار الصعب، والسيناريوهات المفتوحة على كل الاحتمالات.
وتقول ذات المصادر إنّ هذا الاجتماع اكتسى أهمّية بالغة لعدّة اعتبارات أبرزها تزايد الهواجس من اقتراب تونس من الدخول في حلقة من الأزمات الحادّة التي يعكسها مناخ الانقسام السياسي، والأرقام المالية المُفزغة، والاحتقان الاجتماعي.
وتؤكّد أنّ تلك الهواجس ناتجة عن ثلاث عواصف باتت تُغذي التوتّر المتزايد في تونس، الأولى هي تفاقم الوضع الاجتماعي وما رافقه من احتجاجات واعتصامات أضعفت الحكومة وأنهكتها، والثانية استفحال الأزمة الاقتصادية والمالية وما رافقه من تداعيات على القدرة الشرائية للمواطن، بينما الثالثة هي استمرار التوتّر السياسي الذي ارتفعت وتيرته مع قرب الانتخابات المحلّية المُقرّر تنظيمها في السادس من ماي المُقبل.
وأمام هذا الوضع المتدحرج، يرى متابعون للشّأن التونسي، أنّه لم يعد أمام الشاهد الكثير من الخيارات، وهو ما يفسّر تحرّك الرئيس التونسي في هذا الوقت في مسعى لأن يجعل سفينة البلاد ترسو في ميناء يعيد الأمور إلى نصابها الطبيعي، بما يُساعد على معالجة الخسائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت بسبب تراكم الخلافات.
وينسجم هذا الخطاب، مع كلمة السبسي التي افتتح بها اجتماع أقطاب وثيقة قرطاج، حيث اعتبر فيها أنّ تونس اليوم “في حاجة إلى جميع أبنائها”، وأن هذا الاجتماع “سيفسح المجال أمام الأطراف السياسية والاجتماعية لتقديم تقييم دقيق للوضع السياسي بصفة عامة ولأداء الحكومة بصفة خاصة”.
وأكّد السبسي في كلمته، أنّ رئاسة الجمهورية “لن تقصي أحدا”، لأنّه ”لا وحدة وطنية دون اتحاد الشغل ومنظّمة أرباب العمل والمنظمات الوطنية، ذلك أنّه لا سياسة دون مضمون اجتماعي”.
وتمّ خلال هذا الاجتماع الاتفاق على تشكيل لجنة لمتابعة مناقشة الأولويات لبلورة خارطة طريق خلال المرحلة القادمة.
وأكّد نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل أنّه سيتم خلال الأيام القادمة “النظر في الأسماء القادرة على قيادة الفريق الحكومي لتنفيذ الأوليات التي سيتم الاتفاق عليها”، فيما اعتبر سمير ماجول رئيس منظمة أرباب العمل، أنّ المرحلة “تتطلّب حكومة كفاءات غير متحزّبة تواصل المشوار”.
ويرى مراقبون أنّ هذه التصريحات تُبْقِي الباب مفتوحا أمام تعدّد الاحتمالات في ما يتعلّق بمصير حكومة الشاهد.
غير أنّ الأوساط السياسية التي صعّدت من خطابها المناهض لحكومة الشاهد، تجد تفسيرا لهذا الغموض، وتربطه بالهواجس التي باتت تتحكّم في أيّ تحرّك سياسي نحو استبدال الحكومة، بالانتخابات المحلية.
ولتجاوز تلك الهواجس، تدفع تلك الأوساط بعدّة سيناريوهات مُحتملة، تمّت مناقشتها خلال الأسابيع القليلة الماضية، منها الاكتفاء بتعديل وزاري واسع يشمل وزراء الأحزاب المُنسحبة من وثيقة قرطاج (آفاق تونس والجمهوري)، واستبدال الشاهد بشخصية أخرى تكون قادرة على تشكيل حكومة جديدة تحظى بنوع من التوافق الواسع.
وتبدو الأمور بحسب المؤشّرات الأوّلية، تتحرّك نحو السيناريو الثاني، حيث تؤكّد مصادر مطّلعة أنّ جهودا تُبذل حاليا لولادة حكومة جديدة قبيل ذكرى الاستقلال التي تحلّ في 20 مارس الحالي، حيث يُنتظر أن يلقي الرئيس التونسي كلمة يُعلن فيها عن قرارات هامّة.
———————————————————————————————————-
* الجمعي قاسمي | صحافي تونسي.