تحاليل _ تحاليل اقتصادية _ رواتبهم تتبخّر خلال النّصف الأوّل من الشّهر: غليان الأسعار يحرق جيوب التّونسيين.
أظهرت بيانات حديثة أنّ القدرة الشرائية للمواطنين التونسيين تواصل التراجع بوتيرة مقلقة في ظل الارتفاعات المستمرة في أسعار السلع والخدمات الاستهلاكية.
وتشير البيانات إلى أن 69 بالمئة من التونسيين ينفقون رواتبهم خلال النصف الأول من الشهر نتيجة غلاء الأسعار، فيما يتمكن 31 فقط من تقسيط الرواتب مكتفين بما هو ضروري من مستلزمات العيش.
ويقول المعهد الوطني للاستهلاك، التابع لوزارة التجارة، إن الموظفين باتوا عاجزين عن تلبية حاجياتهم وطلبات أبنائهم في ظل تدني الرواتب من جهة، وارتفاع الأسعار من جهة أخرى.
ووفق منظمة الدفاع عن المستهلك، تدهورت المقدرة الشرائية للتونسيين بنحو 40 بالمئة في عام 2015 لتتدحرج إلى 50 بالمئة في العام الماضي، ما عمق حدود العجز لدى الأسر التي تتراوح مداخيلها الشهرية ما بين 900 و1800 دينار (400 و800 دولار).
وتقول زهرة فتح الله أستاذة تعليم ثانوي تقف أمام محل بيع الخضار إنها تنفق كامل راتبها الذي يعادل نحو 550 دولارا خلال الأسبوعين الأولين من كل شهر، مؤكّدة أنه لم يعد يكفي لتأمين حاجياتها.
وأضافت إنّه “من غير المعقول أن ترتفع أسعار الخضار بهذه الحدّة والحال أن تونس ليست منتجة للخضار فقط بل أيضا مصدرة للكثير من أنواعها”.
ووفق بيانات منظمة الدفاع عن المستهلك، شهدت أسعار معظم المواد الغذائية خلال السنوات الأخيرة نسقا تصاعديا حتى أن العديد منها ارتفع بنسبة 200 بالمئة.
ومقابل تذمر المستهلكين من غلاء الأسعار، يتذمر المزارعون من تراجع عائدات مبيعاتهم، فيما يقول الخبراء إن شبكات الوساطة هي المستفيد الأول من تذمر الطرفين.
وتتساءل فتح الله “إذا كنا نحن المحسوبين على الطبقة الوسطى لا تكفينا الأجور لتسديد النفقات الضرورية فما بالك بالعائلات الهشّة والفقيرة”.
ووضعت الحكومة خلال الفترة الماضية خطة لمساعدة العائلات الفقيرة عبر تقديم مساعدات في شكل منح لا تتعدى 200 دينار (80 دولارا).
غير أن المعهد الوطني للاستهلاك أشار إلى أن توزيع رواتب الأسر التي تميل إلى الاستهلاك الترفيهي أكثر يختلف تماما عما هو عليه لدى العائلات التي تصنف ضمن العائلات التقليدية.
وفي ظل التشبّع بثقافة تحديد النسل والتنظيم العائلي تتكون الأسر التونسية الحديثة عادة من الأب والأم وطفلين إثنين فقط وهو ما يساعدها على مجابهة النفقات.
ويميل هذا النوع من الأسر إلى توجيه الرواتب إلى نفقات حد ما من الرفاه، حيث ينفق 37 بالمئة على تناول الوجبات في المطاعم و33 بالمئة على الملابس و20 بالمئة على طلبات الأبناء وحاجياتهم اليومية.
وتقرّ رشيدة عمر، وهي موظفة، بأن راتبها وراتب زوجها غير كافيين “للتمتّع برفاهية الحياة”، مشدّدة على أن “الراتبين يقع استنزافهما خلال العشرين يوما الأولى من الشهر” مما يضطرهما إلى التداين.
وقالت “هناك نظرة غير دقيقة للعائلات الميسورة لأنها تعاني تقريبا نفس ما تعانيه العائلات الأخرى من تدهور المقدرة الشرائية”، لافتة إلى أن الفرق يكمن في المظاهر حيث يبدو الملبس والسيارة مثلا مؤشر ثراء والحال أن الأمر غير ذلك.
ويقول مختصّون إن توجيه النفقات إلى الأمور غير الضرورية أحيانا يخفي بالنسبة للعائلات الميسورة مدى تدهور مقدرتها الشرائية وعجز الرواتب عن تسديد النفقات.
ووفق بيانات حكومية تتداين شهريا أكثر من مليون عائلة من البنوك لتغطية عجز الرواتب عن تسديد النفقات وتأمين نفقات ما تبقى من الشهر.