تحاليل _ تحاليل سياسية _ شُبهة التّزوير تُلاحق الانتخابات البلدية التونسية.
تتواصل في الساحة السياسية التونسية سلسلة الانتقادات لأشغال وقرارات الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وذلك قبل نحو شهرين من إجراء الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في 6 ماي المقبل، لتصل التوجّسات هذه المرّة إلى حدّ تحذير الحزب الحاكم، نداء تونس، من إمكانية السقوط في تزوير الانتخابات بعد اتخاذ الهيئة لقرارات جديدة تتعلّق بالعملية الانتخابية المقبلة.
أثار إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات الخميس 08 مارس عن حذف اعتماد الحبر الانتخابي في الاستحقاق البلدي المقبل وتعويضه بالاستظهار ببطاقة التعريف الوطنية وتوقيع الناخب لدى عملية الاقتراع مخاوف الطبقة السياسية من أن تؤدّي هذه الخطوة الجديدة إلى حصول إخلالات وتجاوزات قد تصل إلى تزوير الانتخابات خصوصا أنّ الاعتماد على الحبر الانتخابي في الانتخابات السّابقة عامي 2011 و2014 قلّل بدرجة كبيرة من حدّة التشكيكات في سير العملية الانتخابية.
وأتت أولى ردود الأفعال على إلغاء اعتماد الحبر الانتخابي في الاستحقاق البلدي على لسان حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي للحزب الحاكم بكشفه في تدوينة نشرها على حسابه الخاص في فيسبوك أنّ “هيئة الانتخابات تعرّضت لضغوط عديدة لاعتماد إمضاء الناخبين عوض الحبر في الانتخابات البلدية القادمة”.
وحذّر قائد السبسي من خطورة ما أسماه اللعب بالنّار أو خضوع هيئة الانتخابات لهذه الضغوط ، مشيرا إلى أنّ حذف الحبر يعتبر ضربا لمصداقية العملية الانتخابية وشفافيتها وفتحا خطيرا لأبواب التزوير والتزييف بما سيُهدّد لا فقط مصير الانتخابات البلدية بل أيضا مصير الاستقرار في تونس.
وردّ محمد التليلي منصري رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تصريح اعلامي على اتهامات حزب نداء تونس بقوله “هيئة الانتخابات مستقلّة ولا تتعرّض لأيّ ضغوط من أيّ طرف كان، لا داخليا ولا خارجيا”، مشيرا إلى أنّ فرقعة هذه الزوبعات لا تخدم الهيئة ولا الأحزاب ولا العملية الانتخابية برمّتها.
وأوضح رئيس الهيئة أنّ قرار حذف اعتماد الحبر الانتخابي لدى تصويت الناخبين على ورقة الاقتراع وتعويضه بالاستظهار فقط ببطاقة التعريف الوطنية ثم التّوقيع على ورقة الاقتراع، تمّ اتخاذه بأغلبية أصوات أعضاء الهيئة لدى انعقاد مجلسها مؤخّرا.
وشرح التليلي منصري أسباب اتخاذ هذا القرار قائلا “اخترنا تعويض الاعتماد على الحبر الانتخابي بالتوقيع فقط لأنّ المرحلة تختلف تماما عمّا عاشته البلاد في الاستحقاقات الانتخابية السّابقة عامي 2011 و2014 والتي تمّ فيها الاعتماد على الحبر وليس التوقيع.
وأشار إلى أنّ الهيئة التجأت في الاستحقاقات السابقة إلى الحبر لأنّها كانت متخوّفة من إمكانية إقدام نفس الناخب على التصويت مرتين باعتبار أنّه كان بإمكانه التسجيل عبر الاستظهار ببطاقة التعريف الوطنية أو جواز السفر وذلك عكس الانتخابات البلدية التي تشترط وجوبا الاستظهار فقط ببطاقة التعريف الوطنية التونسية. وأكّد رئيس الهيئة أنّ كلّ الدول الديمقراطية تعتمد في الانتخابات على توقيع الناخب وليس على بصمته بالحبر الانتخابي، مؤكّدا أنّ عملية شراء الحبر الخاصّ بالانتخابات يتطلّب كراس شروط وميزانية مالية كبرى ولذلك حاولت الهيئة التخفيف من أعباء ميزانية الدولة وعدم إثقالها بمصاريف أخرى ليست ملحة وضرورية، بحسب قوله.
وعلى عكس تصوّرات الهيئة، أكّد وسام السعيدي القيادي بحزب حركة نداء تونس أنّ هناك بالفعل مخاوف كبرى لدى حزبه من إمكانية أن تؤثّر عملية حذف الحبر الانتخابي على سير العملية الانتخابية أو تفتح الأبواب على مصراعيها للتشكيك فيها أو الحديث عن حدوث تزييف وتزوير.
وشدّد على أن حزب نداء تونس فضّل مواصلة الاعتماد على الحبر الانتخابي خصوصا أنّه تمّ استعماله في الانتخابات التشريعية عام 2011 والانتخابات التشريعية والرئاسية عام 2014 دون أن يشكّك أيّ طرف سياسي في العملية الانتخابية، حسب تعبيره.
وأكّد السعيدي ما قاله حافظ قائد السبسي حول تعرّض هيئة الانتخابات لضغوط أدّت إلى حذف اعتماد الحبر الانتخابي، رافضا الكشف عن هوية الأطراف المقصودة ومُكتفيا بالقول إنّ قرار الهيئة قد يهدّد استقرار البلاد.
وبنفس مواقف حزب نداء تونس عبّرت أيضا أكثر أحزاب المعارضة الراديكالية في البلاد عن توجّسها من إقرار هيئة الانتخابات حذف الاعتماد على بصمة الناخب بالحبر الانتخابي في الانتخابات المحلية خصوصا أنّ الاقتصار على عملية التوقيع فقط أدّى سابقا في انتخابات ما قبل ثورة جانفي 2011 إلى تزوير العملية الانتخابية بعد التفطّن على سبيل المثال إلى أنّ الحزب الحاكم آنذاك في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي زجّ بأسماء مواطنين أموات في الانتخابات الرئاسية عامي 2004 و2009.
واستغرب غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي (أحد أهم أحزاب المعارضة في تونس) من إقدام هيئة الانتخابات على تعويض الحبر الانتخابي الذي حظي بإجماع كلّ مكوّنات الطبقة السياسية في الاستحقاقات السابقة التي تلت ثورة جانفي 2011.
واعترف الشواشي بأنّ الاعتماد على الحبر الانتخابي غير معمول به في كلّ الديمقراطيات العريقة وأنّ حضوره يقتصر على الدول المتخلّفة أو التي هي في طور الديمقراطية الناشئة، مشيرا إلى أنّه كان على الهيئة الإبقاء على نفس التجربة لتجنّب التشكيك في نزاهة الانتخابات البلدية المقبلة.
وحذّر الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي من عدّة توجّسات أخرى لدى أحزاب المعارضة قد تؤدّي إلى ضرب شفافية ومصداقية الانتخابات المحلية وفي مقدّمتها -وفق تعبيره- مراهنة الأطراف السياسية الكبرى على توظيف مسؤولي الدولة في تنفيذ أجندات انتخابية أو عبر شراء ذمم الناخبين بمال سياسي فاسد ممّا سيعرقل المسار الديمقراطي في تونس ويجعل من الانتخابات مشكوكا في أمرها.