تحاليل _ تحاليل سياسية _ عقلانية الشاهد والاتحاد لتطويق أزمة تونس. |بقلم: مختار الدبابي.
لم تقابل حكومة يوسف الشاهد الاحتجاجات التي تتوسع رقعتها يوما عن آخر بالوعود والتعهدات لتسكين الغضب الشعبي، بل بادر إلى خطاب مغاير صدم انتظارات أحزاب ودوائر وشخصيات تسعى لتوظيف الاحتجاجات لإضعاف الحكومة وإظهار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في موقف ضعيف.
قال الشاهد إنه لن يسلك أسلوب من سبقوه من رؤساء الحكومات التي جاءت بعد الثورة، والتي أطلقت وعودا غير مسؤولة تتجاوز أحيانا قدرات الدولة، وأن عدم الإيفاء بتلك الوعود هو الذي يدفع العاطلين والغاضبين إلى الاحتجاج في الشوارع. وأشار رئيس الحكومة التونسية إلى أن “المحتجين يطالبون بتفعيل القرارات القديمة التي لم تفعّل لسنوات وليس بمطالب جديدة”.
من الواضح أن تأكيد الشاهد على مسؤولية الحكومات السابقة في الأزمة ليس هدفه التبرؤ من المسؤولية، وإنما تحميل المسؤولية للطبقة السياسية التي حكمت منذ 2011 سواء من الترويكا أو الأحزاب والمجموعات والشخصيات التي تحالفت مع حزب نداء تونس في انتخابات 2014، ثم قفزت من المركب قبل الانتخابات البلدية لتتهمه كحزب حاكم بأنه يقود البلاد إلى أزمة خانقة.
المشكلة في تونس أن أحزاب ما بعد 2011 تفتقد إلى التجربة الحكومية والإدارية، وتقارب الأوضاع دائما من خلال الأيديولوجيا، وتسقط أفكارا قديمة على واقع معقد لم يعد يحتمل التوصيف الآلي.
وتتهرب هذه الأحزاب إلى ذلك من المشاركة في الحكم بالرغم من الإغراءات التي تقدم لها لسبب رئيسي أنها دأبت على استقطاب جمهورها بالشعارات واتهام الحكومات بالعمالة والخضوع لإملاءات الصناديق المالية الدولية. وبالنتيجة فهي لا تحيى خارج دائرة المعارضة والنقد والجلوس على الربوة.
تصريحات الشاهد تقول للتونسيين إن الذين يركبون الاحتجاجات ويظهرون حرصهم على مطالبكم المشروعة، هم طرف رئيسي في الأزمة سواء من خلال مشاركتهم في الحكم، أو من خلال اختطاف الثورة من هدفها الاجتماعي والاقتصادي إلى متاهة المعارك السياسية.
ورغم أنها ساهمت في اختطاف مطالب الثورة، ودفعت الدولة إلى تركيز جهدها في مهمة بناء المؤسسات السياسية ومعالجة مخلفات المراحل السابقة عبر هيئات حقوقية وقانونية، وأرجأت التعاطي مع المشاكل العميقة لتونس وخاصة قضايا الفقر والبطالة، فإن غالبية الأحزاب التحقت سريعا بالاحتجاجات وتسعى لقيادتها والتأثير فيها لتحولها إلى ثورة على الحكومة، أي تجييرها مرة أخرى لتحقيق أهداف سياسية.
وسارعت مختلف الأحزاب إلى دعم الاحتجاجات ولم يكن يهمها إن كانت الدولة قادرة على تحقيق الوعود التي أطلقتها نفس الأحزاب في انتخابات 2011 و2014، بما في ذلك حزب الرئيس السابق المنصف المرزوقي والمجموعات المتقاطعة معه، والتي تدفع الاحتجاجات إلى أقصاها للاستفادة منها في الانتخابات المحلية المقررة نهاية العام.
وحزب حركة النهضة نفسه الذي هو شريك في التحالف الحكومي انخرط في مغازلة المحتجين وعينه على الانتخابات، ويستعد للقفز من المركب ليترك حزب نداء تونس وحيدا في مواجهة الأزمة، فيما تقف الجبهة الشعبية إلى جانب حزب المرزوقي في الدعوة إلى توسيع دائرة الاحتجاج.
ولم يعد من الممكن أن تظل تونس أسيرة لعبة الهروب إلى الأمام ومجاراة الشعارات، ولذلك حث رئيس الحكومة التونسية في حوار للتلفزيون الرسمي على أن مجابهة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة ليست من مهام الحكومة وحدها، بل هي كذلك مسؤولية كل القوى الحية من أحزاب ومنظمات وطنية ومجتمع مدني.
واستجاب الاتحاد العام التونسي للشغل لدعوة الشاهد الهادفة إلى منع انزلاق البلاد إلى الفوضى دون أن يتخلى عن دعم الاحتجاجات التي يعتبرها الجميع مشروعة بما في ذلك رئيس الحكومة لكنه حذر من الأجندات التي تستثمرها. وأكّد بيان صدر الاثنين عن الاتحاد “وقوفه المبدئي مع كلّ التحرّكات الشعبية والاجتماعية السلمية من أجل المطالب المشروعة في التشغيل والتنمية ويجدّد التحذير من محاولة بعض الأطراف الركوب على هذه التحرّكات لغاية بث الفوضى لصالح الشبكات الفاسدة ومراكز النفوذ المشبوهة أو لتصفية الحسابات السياسوية أو لخدمة أجندات انتخابية انطبعت بازدواجية الخطاب وتعارض الممارسة مع التصريحات المعلنة”.
بيان الاتحاد وضع إصبعه على لبّ المشكلة، وهو الأمر الذي تهرب منه رئيس الحكومة، أي أن هناك جهات تحرك الاحتجاجات لخدمة أهدافها خاصة أن هناك دوائر محسوبة على الدولة العميقة بدت متخوفة من قدرة الحكومة على الإمساك بالوضع العام، وشروعها في فتح ملفات الفساد وإحالة المئات منها إلى القضاء. كما أن الحكومة نجحت في الإفلات من الابتزاز الذي مارسته جمعيات ومنظمات ونقابات لإجبارها على التخلي عن تلك الملفات.
الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي قال بعد لقائه بالرئيس التونسي مساء الاثنين “لا بدّ أن نكون اليوم مسؤولين لإيجاد الحلول العملية الفعلية بعيدا عن الحلول الترقيعية وزرع الأمل من جديد لشبابنا المعطّل”.
من الواضح أن الاتحاد نجح في أن يقدم رؤية للأزمة بعيدا عن الشعبوية ولم ينسق وراء مطلقي الشعارات الذين دأبوا على التمترس وراء المنظمة العمالية الأكبر تأثيرا في تونس لتحقيق غاياتهم. ليس فقط في ملف الاحتجاجات، فقد نجح الطبوبي في أن يمنع تلويح نقابات التعليم بالإضراب المفتوح لإسقاط وزير التربية ناجي جلول، وفرض أن تتولى قيادة الاتحاد مهمة الحوار مع الحكومة لتجاوز الخلاف حول الوزير.