تحاليل _ تحاليل اقتصادية _ لا حلول واضحة في الأفق… تونس تغرق في التصنيفات الدولية “السّوداء”.
يزداد يوما بعد يوم ترسخ حقيقة أن تونس تحتاج لمعجزة للخروج من دائرة النظرة الدولية السلبية في تصنيف أوضاعها الاقتصادية، والتي تفاقمت أوجاعها بعد أن وضعتها وكالة موديز للتصنيف الائتماني في قائمة المراقبة السلبية.
موديز خفضت نظرتها المستقبلية لتونس من بي 1 إلى بي 2، في وقت تكافح فيه السلطات لتغيير أدوات عمل النظام المالي المترهل عبر إسناد هذه المهمة شبه المستحيلة لمحافظ جديد للبنك المركزي.
الخطوة كانت متوقعة، فهي استكمال لما بدأه البرلمان الأوروبي الشهر الماضي حين وضع تونس ضمن قائمته السوداء للدول عالية المخاطر في مجال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، استنادا إلى تقرير لمجموعة العمل المالي.
وسبق أن صدم الاتحاد الأوروبي تونس في ديسمبر الماضي، عندما أدرجها ضمن قائمته السوداء للملاذات الضريبية رغم أنه عاد بعد شهر ليحذفها من القائمة ربما لاعتبارات سياسية لدعم الدولة التي باتت مثالا للديمقراطية الناشئة، لكنه وضعها ضمن القائمة الرمادية.
خبراء موديز يرون أن احتمال استمرار حالة عدم اليقين لفترة أطول قد ازداد واستبعدوا حل الأزمات الاقتصادية المتراكمة بسرعة في غضون أشهر، ما يحمل مخاطر تؤثر على ركائز نمو الاقتصاد التونسي الرخوة أصلا.
أبرز ما ارتكزت عليه موديز في تصنيفها هو حجم الاحتياطات النقدية، التي تواصل التراجع يوما بعد يوم. فالبيانات الرسمية تظهر أنها تقبع عند 4.63 مليار دولار، أي أن الدولة فقدت في غضون سبع سنوات ما قيمته 8.87 مليار دولار من العملة الصعبة.
ليس ذلك فقط، بل إن تراكم الديون الخارجية كان عاملا رئيسيا لتلك النظرة المتشائمة. ويبدو أن السبب الأساسي لتقاعس تونس في تسديد جزء من ديونها يعود للعجز الكبير المتوقع في موازنة 2018 بسبب ركود العديد من القطاعات الاستراتيجية مثل الفوسفات.
وقد انعكس ذلك الانكماش على الحسابات الجارية التي واصلت تدحرجها بشكل متسارع، وهو ما تجلى بتسجيل عجز العام الماضي يعادل 10 بالمئة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
ويبدو أن ضغوط صندوق النقد الدولي على تونس حتى تحصل على قرض بقيمة 2.9 مليار دولار لتجاوز محنتها، مقابل اتخاذ إجراءات قاسية في ملفات حساسة للغاية، في بلد يشهد تململا اجتماعيا متواصلا، كان سببا آخر في غرق تونس في التصنيفات “السوداء”.
هناك قلق متزايد من الانزلاق نحو مخاطر عجز الدولة عن سداد التزاماتها ومن ضمنها القروض وفوائدها، وأن تبقى البلاد رهينة لرغبات المؤسسات المالية الدولية مع استمرار التوسع في الاستدانة.
وهذا ما يحصل بالفعل على ما يبدو إذ أن وكالة موديز تتوقع خلال العامين الحالي والمقبل استمرار ارتفاع الدين العام للبلاد والذي بلغ بنهاية العام الماضي ما يعادل 70 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك نتيجة تدهور قدرة الدولة على سداد القروض.
ووفق تقديرات موديز فإن الدين العام لتونس سيبلغ 73 بالمئة في 2019، وهذا أمر مفزع، بحسب محللين، لا سيما أن نحو 65 بالمئة من ذلك الدين بالعملة الصعبة.
إن ارتفاع الديون المطرد يفاقم من صعوبات الإيفاء بالالتزامات تجاه الإنفاق المنفلت وخاصة على رواتب القطاع العام، التي بلغت مستويات خيالية عند 6.5 مليارات دولار سنويا، في مقابل تراجع الإنتاج وارتفاع معدلات البطالة والتضخم الذي تجاوز للمرة الأولى حاجز 7 بالمئة.
ويعكس مستوى الديون الخارجية لتونس التي لم تكن تتجاوز 37 بالمئة في عام 2010، فشل كل الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الحين في اعتماد استراتيجية تحقق استقرار المؤشرات الاقتصادية بسبب التجاذبات السياسية المستمرة.
كما أن تفشي الفساد الذي ينخر مفاصل الدولة رغم الحرب المعلنة عليه من قبل الحكومة الحالية، وترهل الإدارة، هما سببان آخران في حصول تونس على مؤشرات دولية سلبية، لأن هذا المناخ المضطرب يزعزع ثقة المستثمرين ويكبح عجلة النشاط الاقتصادي عن الدوران.
ومع كل ذلك، أعطت موديز بصيص أمل لتونس في الانتقال إلى المربع التالي من أزمتها، لكنها قالت إن ذلك سيكون رهين انتعاش صادرات قطاعات الخدمات والصناعة والزراعة هذا العام للمساهمة في تقليص العجز التجاري غير المسبوق، الذي تجاوز 6 مليارات دولار.
وفي النهاية، لا يمكن أن تتعامل الحكومة مع كل هذه المؤشرات بشكل سطحي وحصرها في مجرد إصلاحات لا تزال بطيئة، في ظل شكوك في نجاحها أصلا. فهذه المعضلة لها أبعاد أخطر ومسؤولية حلها تقع على عاتق الطبقة السياسية الغارقة في مشكلاتها، فضلا عن تمرد النقابات على الحكومة.
——————————————————————————————————————-
* رياض بوعزّة | صحافي تونسي.