تحاليل _ تحاليل سياسية _ لماذا وكيف عاد الأمريكيون لسياسات أوباما تجاه الملفّ اللّيبي؟ |بقلم: علي عبد اللّطيف اللافي*
+ مقدمة:
عمليا عاد ترامب في سياساته تجاه العالمين العربي والإسلامي، إلى منطق السياسات التي تحددها و تتبعها مؤسسات الأمن القومي الأمريكي والقائمة بطبعها على منطق أولوية المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، ومعنى ذلك عمليا هو سقوط رهان بعض لُوبيات المال العربية المُتقاطعة مع شبكات الفساد المُتعددة، والتي اعتقدت خلال السنتين الماضيتين أنها قادرة على فرض و تكريس سيطرة الأنظمة القديمة ومنظوماتها وشبكاتها في السيطرة على بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتسيير الحكم بحكومات ظل خادمة لأجنداتها وأجندات اللوبيات الراعية لها إقليميا ودوليا…
فما هي الترتبات المتوقعة على الأزمة والأوضاع في ليبيا ومحيطها الإقليمي ودول الجوار المحيطة بها؟
وماهي الأحداث ذات البعد التكتيكي الخادم للاستراتيجي وماهي الوقائع المتناسقة مع خط الوصول الذي سيترسخ وفقا لرؤية ورغبة الأمريكيين وحلفائهم الدوليين لا الإقليميين والذين سيبقون دوما أذرع تنفيذية لا غير؟
1- المُحددات الامريكية للتعامل مع تطورات الأحداث في ليبيا:
لا تُمثل بعض القوى الإقليمية والتي يظهر للبعض انها قوى فاعلة ورئيسية في ليبيا، سوى أذرع تنفيذية في الأزمة الليبية، وان تم عمليا في فترات محددة السماح لها بهامش تحركات ومناورات تكتيكية وان اعتقد البعض أنها استراتيجية، الا أن الأمريكيين كانوا واضحين منذ اجتماع اوباما ببعض المسؤولين العرب في كامب ديفيد في صائفة 2015 حيث كانوا واضحين في تحديد الخطوط الحمراء التي لا يمكن المساس بها:
- إن من يعتقد أن الأمريكيين سيتركون طرف ينتصر على الآخر في ليبيا، سيصل إلى اليقين يوما أنه واهم أو أنه قد تلاعب بأنصاره وحلفائه..
- أن سياسات الأمم المتحدة خادمة بالضرورة للاستراتيجية الأمريكية ولا يمكن أن تتناقض معها حتى وان بدا للبعض أن ذلك جلي من خلال بعض الوقائع ولعل عدم تعيين سلام فياض مبعوثا أمميا منذ اشهر هو إشارة رئيسية دالة وهو مثال للذكر لا الحصر…
- أن الحرب بالوكالة في ليبيا والتي تخوضها أطراف مدعمة من أطراف إقليمية مصطفة مع طرفي الصراع الحقيقيين لها حدودها ولا يمكن أن يقع اغفال شروط خوضها أمريكيا وأوروبيا ….
- أن آلية حسم الصراع عسكريا قد انتهت منذ صائفة 2014 في أكثر من مناسبة لتراكم عوامل إقليمية ودولية وحتى وقائع على الأرض في ليبيا وان استطاعت أطراف في أكثر من مناسبة الخروج على منطق توازن الضعف وتوازن القوى فإنها سرعان ما عادت لمنطق الضبط المركزي والمحدد أمريكيا على ألأرض، ولعل الاستثناء حدث هو عندما افتكت قوات البنيان المرصوص خيار حسم المعركة مع داعش في سرت مما أربك قوى دولية وإقليمية …
2- البنتاغون ورؤية الأمريكيين لداعش ليبيا :
كشفت غرفة عمليات الجيش الأمريكي في إفريقيا منذ أسبوعين أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ستحتفظ بعدد غير محدد من القوات البرية في ليبيا، لغايات مساعدة القوات التي وصفها بـ”الصديقة” في القضاء على تنظيم الدولة، بالإضافة لتوفير فرص أفضل لملاحقة حركة الشباب المجاهدين الصومالية، بل أن الجنرال توماس والدوسر، في تقرير نشرته صحيفة “ميلتري تايمز “سنحافظ على قوة في ليبيا لديها القدرة على تطوير المعلومات الاستخباراتية، والعمل مع مختلف الأطراف على النحو المطلوب، أو أن تكون قادرة على المساعدة إذا لزم الأمر لرصد أهداف داعش”.
و تأتي تلك التصريحات بعد الانخفاض الذي تم تسجيله في وسط العناصر التابعة لتنظيم الدولة في ليبيا إلى أقل من 200 عنصر وفقا للمصادر العديدة في أواخر مارس الماضي مع العلم أن تعداد عناصر التنظيم الإرهابي قد بلغ قبل عام فقط بين 5000 و6000 مقاتل.
وكان الجنرال الأمريكي سالف الذكر قد أكد في تصريحاته وفقا لتقارير إعلامية متطابقة أن “فلول تنظيم الدولة مشتتة وغير قادرة على الانضمام لمعاقل التنظيم في كل من سوريا والعراق، وذلك بفضل الضربات الجوية المكثفة على مدار أربعة شهور سابقة، التي قامت بها القوات الجوية الأمريكية بمساعدة من سفن البحرية الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط”.
و يعرف المتابعون لتفاصيل التطورات في ليبيا أن الطائرات الأمريكية قد نفذت بين أوت 2016 وجانفي 2017 حوالي 700 ضربة جوية لدعم القوات الليبية – البنيان المرصوص أساسا – التي تقاتل تنظيم الدولة في سرت ( عمليا آخر عملية أميركية كبرى في ليبيا وقعت في منتصف جانفي الماضي، أي عندما شنت الطائرات الحربية الأميركية هجوما واسع النطاق على معسكرين ما أسفر عمليا عن مقتل ما يقدر بـ80 مسلحا)
ولا شك أن المُتابعين للازمة الليبية يعرفون أن الوضع في ليبيا معقد للغاية من حيث تفاصيله وتشابك المعطيات حتى أن الخبراء يشبهون الأوضاع في ليبيا بالأوضاع في لبيان منتصف ثمانينات القرن الماضي
والمسؤولون الرئيسيون حذرون كما هو معروف من تطورات الأوضاع في الفترة الماضية خاصة بعد أن دخلت روسيا الصورة، وأصبح لها وجود عسكري في مصر المجاورة. ، وقد أكد الأمريكيون بداية الشهر الحالي وجود عناصر روسيين على الأرض في ليبيا بل أن أحد المسؤولين الأمريكيين في افريكوم قد أكد يومها “يحاولون التأثير على البيئة الأمنية، إلى جانب استغلال ليبيا كمنتج للنفط ومشتر محتمل للسلاح الروسي”.
3- ما حقيقة وجود مخطط أمريكي لتقسيم ليبيا الى 03 دويلات؟
منذ حوالي 03 عقود وعدد من النخب العربية تتحدث عن وجود مخططات لتقسيم عدد من الدول العربية على غرار السعودية والعراق وسوريا وليبيا ومصر، إلّا أنّ الاستراتيجيات تغيرت والحكومات شرقا وغربا غيرت من سياساتها وتغيرت الظروف والمعطيات وسقطت أنظمة عربية وقامت أخرى ولم نرى هذه المخططات تنفذ، طبعا عدم التنفيذ أو عدم تقسيم دول لا يعني أن البعض لم يخطط أو أن البعض من ذوي التوجهات المتطرفة في السياسات الغربية قد يكون حاول تهيئة الظروف لتقسيم هذه الدولة العربية أو تلك، بل أن جهات غربية اقترحت من جديد إعادة توحيد السودان في أكثر من مناسبة نتاج ما حدث بعد تقسيمه من إشكالات وصعوبات وترتبات …
وبخصوص ما نشرته احدى الصحف الأمريكية حول تقسيم ليبيا إلى دويلات ثلاث يمكن التأكيد أنه أقرب للترويج والدعاية السياسية أو هي بالأحرى تسريبات لها غايات سياسية من أجل الدفع نحو هذا الحل أو ذاك، والثابت المؤكد أن ليس هناك طرف في ليبيا لا شرقا ولا غربا ولا جنوبا يسعى لتقسيم ليبيا لان الهدف سياسي من الصراع بل أن كل الأطراف تسعى في خطاباتها إلى اتهام الآخر السياسي بأنه يسعى لتقسيم ليبيا بين الحقيقة غير ذلك تماما وتقسيم ليبيا واقعا أمر مستحيل ولن يحدث على الأرض وتاريخ ليبيا وطبيعة أهلها ونخبها سيمنع التقسيم حتى لو وجد كمخطط في المخابر الإقليمية والدولية ومن قرأ تاريخ ليبيا الحديث والمعاصر قراءة جيدة يعرف أنه مستحيل فعليا وعمليا مثلما أن سيطرة أي كان على طرابلس والجهة الغربية أمر جد مستحيل خارج الحل السياسي والدليل هو تغير المعطيات في الجنوب الليبي في اقل من أسبوعين بعد أن اعتقد البعض أن الجهة الجنوبية قد غيرت ولاءاتها بكلّ مكوناتها وحديث البعض منذ أيام أن ميزان القوى قد تغير لصالح هذا الطرف أو ذلك مجرد توهم في قراءة معطيات تكتيكية على الأرض…
ولا شكّ أن الأمريكيين يعرفون جيدا أن تقسيم ليبيا في غير صالح الجميع بل هم واعون عمليا أنه مستحيل التحقيق واقعيا نتاج الموقع الجغرا- سياسي لليبيا ونتاج عوامل اجتماعية وتاريخية وبناء على تركيبة المجتمع الليبي حيث ان الاتحاد الأوروبي يعرف متاعب رئيسية في ملفات الهجرة غير الشرعية والمتاجرة بالبشر في ظل دولة واحدة، فما بالك لو كانت أكثر من دولة وأكثر ضعفا، إضافة أن الدولة المحورية في الملف الليبي وهي الجزائر طبعا، لن تقبل بتاتا بتقسيم ليبيا من كل النواحي لان القبول بذلك يعني عمليا فسح المجال استراتيجيا بتقسيم الجزائر لاحقا لا قدر الله، بل سيجلب متاعب لا تحصى ولا تعد لجارتها تونس في حد أدنى…
4- الخاتمة:
عمليا أصبحت بعض رؤى ترامب التي صرح بها وأعلنها أثناء حملته الانتخابية، مجرّد خطابات سياسية ذهبت عمليا في مهب الريح، وبقيت في الأخير مقولات تم إطلاقها للترويج والدعاية السياسية…
وعمليا أصبحت رؤيته للملف الليبي مرتبطة برؤية للمنطقة في مختبرات الأمن القومي وعلى علاقة مع سياسيات الولايات المتحدة مع الوضع الشرق أوسطي وشمال إفريقي أي العودة إلى سياسات أوباما مما يعني أن تقديم الرئاسيات في ليبيا على كل الخطوات الأخرى أمرا لن يرى النور أبدا مثلما لوّح ترامب أياما بعد انتخابه وقبل حفل التسليم في 20 جانفي الماضي …
والثابت اليوم أن بعض الأحداث والتطورات هي ملامح تكتيكية وتفصيلات ضمن استراتيجيا الذهاب للخيار السياسي بما يسمح لكل الأطراف أن تكون طرفا في الحوار وأن تكون ضعيفة لتقبل بخيارات غربية وتتناسب مع مصالحها الاستراتيجية بل أن السراج أو من سيخلفه في مرحلة ما بعد الانتقالية سيقبل بشروط الغرب والتي مانع القذافي في القبول بها عبر ممانعات عدة، رغم أخطائه السياسية القاتلة تجاه الملفات الداخلية طوال 42 سنة من حكمه…
ولا شك أن إرادة الأمريكيين هي التي سترى النور في آخر المطاف في الملف الليبي وأما الشركاء فانه سيسمح لهم بالتصرف في جزئيات الملف على غرار الإيطاليين والأنقليز والفرنسيين رغم أن الأخيرين يريدون دوما أن يكونوا أصحاب قرار لا أركان تنفيذ، أما الأطراف الإقليمية فإنها ستبقى في رحاب أذرع للسياسات الأمريكية خاصة والغربية عموما رغم توهَم بعضهم أن لهم هامش المناورة والتأثير في السياسات الغربية نتاج رؤى ان الحضور المالي في مصارف الغرب واستثماراته يمكنها من التأثير على سياسيات الغرب وتوجهاته وهي رؤية قاصرة عمليا لان الغرب يضع مصالحه وسياساته للأمن القومي فوق كل الاعتبارات الأخرى ….