تحاليل _ تحاليل علمية _ لماذا يضرّ القدوم المبكّر لفصل الربيع بالصحّة؟
نشر موقع “ريل سمبل” الأمريكي، تقريرا سلّط من خلاله الضوء على التغير المناخي الذي يشهده كوكبنا مؤخرا، والمتمثل أساسا في الطقس الذي يغلب عليه الدفء في غير موسمه.
وقال الموقع في تقريره إن البيانات الجديدة الصادرة عن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، أثبتت أن موسم الربيع هذا العام قد سبق موعد حلوله المعتاد بثلاثة أسابيع في بعض مناطق العالم، مشيرا إلى أن هذا التغير المناخي يحمل في طياته تأثيرات عديدة على صحة الإنسان.
وأشار التقرير إلى أن فصل الربيع قد حلّ بالفعل في جنوب السهول العظمى والساحل الجنوبي الشرقي للمحيط الأطلسي، وذلك وفقا للخرائط الصادرة عن شبكة الفينولوجيا الوطنية في الولايات المتحدة.
وفي المقابل؛ شهدت العاصمة واشنطن دخول الربيع قبل الوقت المعتاد بـ22 يوما، وأعلن الربيع بدايته في كل من ولاية كاليفورنيا الساحلية، وجنوب ولايتي نيفادا وإلينوي، وجنوب شرق ولاية كولورادو، ووسط ولايات كنساس، وإنديانا، وأوهايو، وفرجينيا الغربية، وفيرجينيا. وفي الأثناء؛ يُنتظر حلول موسم الربيع في مدينتي فيلادلفيا وإنديانابوليس.
وأوضح التقرير أن هذا الأمر قد يبدو جيدا في نظر الأشخاص الذين يحبسهم برد الشتاء داخل المنزل. وفي المقابل؛ يحذّر الخبراء من أن تغيّر أنماط الطقس قد يطرح تحديات كبرى عند تخطيط وإدارة كل ما يتأثر بدرجات الحرارة، على غرار المسائل الاقتصادية والاجتماعية، وحتى تلك المتعلقة بالصحة العامة. وتجدر الإشارة إلى أن سنة 2016 كانت قد شهدت ارتفاعا لدرجات الحرارة في جميع أنحاء العالم.
وبيّن أن الأطباء يؤكدون أن القدوم المبكر لفصل الربيع؛ ينتج عنه مواسم الحساسية الأكثر طولا وشدة، وهو ما أكده آرون بيرنشتاين، المدير المساعد في مدرسة الصحة العامة التابعة لجامعة هارفارد، حيث قال إن “النباتات على غرار عشبة الرجيد لا تمانع في الظهور المبكر وإنتاج حبوب اللقاح أو حبوب الطلع لدورات متعددة. كنتيجة لذلك؛ تدوم مواسم الأنواع المختلفة للحساسية لفترات طويلة، على غرار التهاب الأنف التحسسي أو حمى القش، فضلا عن أن ارتفاع ثاني أكسيد الكربون في الجو يعزز الإنتاج المتزايد لحبوب اللقاح”.
وأفاد بأن خبراء الصحة يخشون تأثير تقلبات درجات الحرارة على الحشرات الناقلة للأمراض المعدية والفتّاكة، مثل: الملاريا، وفيروس زيكا، وحمى الضنك، وداء لايم، وفيروس التهاب الدماغ الخيلي الشرقي. وفي تعليقه على هذا الأمر؛ أكد آرون بيرنشتاين أن “الجراد والبعوض غير قادرة على مقاومة الطقس البارد جدا. وفي المقابل؛ تفتح درجات الحرارة المرتفعة المجال أمامهم للعيش في أماكن جديدة، والبقاء على قيد الحياة لفترات أطول”.
وبيّن أن الأمراض التي لا يوجد لها علاج أو لقاح حاليا؛ هي أكثر ما يثير قلق الخبراء، حيث أوضح بيرنشتاين خطورة المسألة قائلا: “نحن نرفض اللجوء إلى رش المبيدات الضارة نسبيا على مساحات شاسعة من الأراضي بهدف القضاء على البعوض، أو فرض الحجر الصحي على الأشخاص الوافدين على البلاد من مناطق معينة من العالم، أو حتى تعريض أطفالنا إلى لقاحات لم يتم اختبارها بعد”.
وأضاف التقرير أن المخاوف الصحية الأخرى تشمل الأمراض التي تنقلها الفيضانات والمياه التي تشكل الأنهار والسدود، والتي تفيض أيضا بسبب ذوبان الثلوج السابق لأوانه، إلى جانب هطول الأمطار المتزايد.
علاوة على ذلك؛ تؤثر التقلبات الموسمية الشاذة على الثروة الحيوانية، والمحاصيل الزراعية، ومرحلة التلقيح لدى الحشرات، على غرار النحل المعرّض بالفعل للخطر، بالإضافة إلى المساس بسلامة وتوفّر المحاصيل الغذائية في الولايات المتحدة.
وقال التقرير إن العلماء يرون في القدوم المبكّر لموسم الربيع هذه السنة مزيجا بين التغير المناخي وأنماط أخرى للطقس قصيرة المدى. وفي هذا السياق؛ يقول آرون بيرنشتاين إنه “صحيح أننا غير قادرين على إثبات أن التغيرات الحاصلة خلال هذه السنة بالتحديد ناجمة عن تغير المناخ، الأمر الذي يشبه في الحقيقة محاولة إقناع شخص ما اعتاد التدخين لمدة 30 سنة متواصلة؛ بأننا لسنا قادرين على إثبات أن السجائر قد سبّبت له سرطان الرئة”.
وفي الختام، أكد الموقع أنه “على الرغم من أن لدرجات الحرارة المعتدلة فوائد صحية عدة، ذلك أنها تدفع بالإنسان إلى الخروج والتمتع بالهواء الطلق واكتساب النشاط؛ إلا أنها قد تكون علامة لأمر معاكس. وفي تعليقه على الأمر؛ أوضح بيرنشتاين أن “هناك أمثلة عديدة في تاريخ الإنسانية حول أمور قد تبدو في الظاهر جيدة، غير أنها في الواقع بمثابة علامات تدل على أشياء مروعة”.