تحاليل _ تحاليل سياسية _ بعد 1000 يوم من معركة الكرامة.. ماذا بقي من الجنرال اللّيبي حفتر؟ (1/2)
خلال شهر فيفري الفارط، وتحديدا في السابع عشر منه، احتفل الليبيون بأحداث ثورتهم ضدّ نظام معمّر القذافي، بين ما تحقّق وما يصبو إليه المواطن الليبي، وما حدث من إخفاقات ونجاحات.
وخلال هذا الشهر أيضا، تمرّ على معركة “الكرامة” التي أطلقها الجنرال الليبي خليفة حفتر، بحجّة محاربة الإرهاب، أكثر من 1000 يوم، بين تأكيدات من قبل معسكر “حفتر” أن المعركة حقّقت أهدافها الأولية من دحر بعض المنظمات الإرهابية من وجهة نظره، وعلى رأسها “مجلس شورى ثوار بنغازي”، (مجموعة مسلحة مناوئة لحفتر)، والتي تنفي بدورها انتهاء المعركة وتؤكّد أنّ معركة “حفتر” لم تستطع السيطرة على الجزء الشرقي من البلاد، وتؤكّد ذلك مجريات الأمور الأمنية والاشتباكات الدائرة حتى الآن في مدينة بنغازي (شرق ليبيا) وكذا في منطقة الهلال النفطي على طول الساحل الليبي.
وقبل البدء في معرفة ما وصلت إليه معارك الجنرال الطامح لحكم البلاد، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، نتناول بعض المعلومات عن “خليفة حفتر”، في محاولة لتوضيح تاريخ الرجل وأهدافه المعلنة، باعتبار أنّ هذا المقال مقدّمة لمقال لاحق والذي سيكون بعنوان: “كيف نفهم ما يجري في ليبيا سياسيا وعسكريا؟“.
من الملكية حتى فبراير
خليفة حفتر ضابط ليبي منذ عهد المملكة الليبية، وهو من مواليد مدينة إجدابيا (شرق ليبيا)، في عام 1943، وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي فيها، ثم انتقل إلى مدينة درنة لإكمال دراسته الثانوية، ثم التحق بالكلية العسكرية الملكية بمدينة بنغازي سنة 1964، وتخرج منها عام 1966، وبدأ ظهوره الفعلي عندما شارك وبعض الضباط مع الرائد معمر القذافي (وقتها) في انقلاب 1969، الذي سمّي بعد ذلك “ثورة الفاتح”، وتولّى بعد ذلك مهام متعدّدة في القوّات المسلّحة الليبية، وقاد القوّات البرّية الليبية تحت مظلة القذافي، وفي سنة 1980 رُقي إلى رتبة عقيد.
وظل حفتر في جيش القذافي حتى قيادته للقوّات المقاتلة التي أرسلها القذافي للمشاركة في حرب تشاد، وتمّ أسر حفتر ومجموعة من الضباط والجنود في نهاية مارس 1987، ليتخلّى عنه القذافي في نهاية المطاف، ويتحوّل “حفتر” إلى معارض في الخارج.
بعد نكسة تشاد، التي وصمت جيش القذافي بالعار، وإنكار القذافي لقضية الضبّاط الليبيين المشاركين في الحرب، ونفيه أيّ معرفة بـ”حفتر”، تحوّل الأخير إلى معارض شرس خطّط لإسقاط نظام القذافي، ردّا على “نذالته“.
مسار سياسي
في عملية غامضة حتى الآن، تمّ نقل العقيد حفتر (وقتها) من تشاد إلى ولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، وتم منحه اللجوء السياسي، خاصة أنّ واشنطن كانت في خصومة وقتها مع نظام “القذافي”، ومن ثم سمحت لحفتر بالتواجد وممارسة النشاط السياسي، وقبلها انضم حفتر عام 1987 إلى “الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا” (مجموعة من المعارضين في الخارج لنظام القذافي)، ثم تولّى مسؤولية قيادة ما سمّي “الجيش الوطني الليبي” الذي كان جناح الجبهة العسكري.
وخلال تواجده في فيرجينيا، اختفت أخباره كثيرا، لكن مع معاودة ظهوره، نبش الإعلام الأمريكي والغربي بشكل عام في تاريخ الرجل، وزعم وجود علاقة بين حفتر ووكالة الاستخبارات الأمريكية “CIA”، وأنّه خلال تواجده هناك استطاع تكوين علاقات واسعة بالاستخبارات وبوزارة الخارجية الأمريكية. ونقلت وكالة “رويترز” عن مركز أبحاث أمريكي، أنّ “حفتر” يتمتع بعلاقات قوية مع دوائر الاستخبارات الأمريكية، وحتى بعض أجهزة الاستخبارات في دول غربية، بحسب زعمها.
خلال تواجده في الخارج، حاول عدّة مرات إسقاط نظام القذافي أو محاولة اغتيال الأخير، ثم اختفت أخباره من جديد ليعاود الظهور بعد اندلاع ثورة الليبيين في 17 فيفري 2011، وعاد للبلاد لأول مرة في منتصف مارس من نفس العام، للمشاركة في الثورة، وتواجد في مدينة بنغازي، وتولّى قيادة القوّات البرّية في جيش التحرير الذي أسّسه الثوار، والذي تولّى قيادته بعد ذلك وزير داخلية القذافي الذي انشق عنه عبد الفتاح يونس العبيدي، ثم كالعادة تنتهي الأحداث الساخنة وتنتهي معها أخبار “حفتر“.
أوّل انقلاب
وفي ظل استقرار المشهد الليبي نوعا ما، فاجأ “حفتر” الجميع بظهوره عبر إحدى القنوات الخليجية وإعلانه “الانقلاب” على الحكومة والجهة التشريعية وقتها، وكانت المؤتمر الوطني العام، وقرّر تجميد عمل المؤسّستين، وأعلن ما أسماه “خارطة طريق” للفترة المقبلة، زاعما وجود قوّات مناصرة له في العاصمة طرابلس وكلّ مناطق ليبيا، لكن الحقيقة أنّه لم يكن إلّا مجرّد “انقلاب تلفزيوني”. واختفى حفتر بعدها بعدما أصدر النائب العام قرارا بالقبض عليه.
وفي 16 ماي 2014، عاود الظهور مرّة أخرى ولكن بقوّة، حيث أعلن انطلاق عملية عسكرية بقيادته لتخليص ليبيا من “الإرهاب”، حسب زعمه. وكوّن هذه الموجة “محاربة الإرهاب” انتشرت في بلاد الثورات العربية، لاقت عملية حفتر التي أسماها “الكرامة” قبولا عند بعض الدول، خاصة مصر والإمارات، وداخليا تبنتها مجموعة من الرافضين للإسلام السياسي، على أمل تكرار تجربة مصر في التخلّص من جماعة “الإخوان المسلمين” والزجّ بهم في السجون، لكنّ الطبيعة الليبية وانتشار السلاح أفشل نسخ التجربة هناك، لكن المعركة المعلنة استمرّت حتى يومنا هذا.
وخلال المعركة، قدّم الجنرال نفسه في ثوب المنقذ والمؤسّس لجيش وطني جديد، ومن ثم انضمت له عدّة كتائب مسلّحة وبعض أسلحة الجيش، مثل الصاعقة وبعض قيادات الدفاع الجوّي، بالإضافة إلى الدعم الإقليمي الذي تلقاه من قبل مصر والإمارات عبر الأردن، واستطاع أن يرسّخ أقدامه في الشّرق الليبي، لكن ظهور مجموعات قويّة في الغرب الليبي، مثل قوّات مصراطة وقوّات البنيان المرصوص (حديثا)، جعلته يتراجع كثيرا عن التفكير في محاولة اقتحام العاصمة طرابلس والسيطرة عليها، رغم أنّه يصرّ حتى هذه اللحظة على قرب تحرير طرابلس، كما يقول.
ولاقت عمليته في الشرق الليبي، تأييدا من قبل كثير من القبائل والمسلّحين هناك، ودعّمه دينيا تيار “المداخلة”، وشيوخ السلفية، وأغلب القبائل، لكن مجموعة كبيرة من ثوّار المنطقة رفض الانضواء تحت قوّاته، وهم في حرب مفتوحة معه حتى الآن.
وبعد مرور أكثر من 1000 يوم على “كرامة” حفتر، يرى مؤيّدوه أنّ العملية أوقفت تحركات المسلحين المتطرّفين، حسب زعمهم، وأنّها جعلت المنطقة آمنة، لكن مناوئوه يكذّبون ذلك، كون تحركات حفتر تسبّبت في تدمير المنطقة وتشريد أهلها وخاصة مدينة بنغازي التي أصبحت أحياء كثيرة منها تشبه “حلب السورية”، وهو ما يؤكّد فشل حفتر حتى الآن في تحقيق مزاعم الأمن والأمان، بحسب مناوئيه.
لكن تقييم هذه الأمور والتأكّد من زعم كلّ فريق يحتاج إلى تقصّي حقائق والوقوف على ما حدث تحديدا، لكن الواضح للعيان أنّ تدميرا كبيرا حصل، والواضح أيضا أنّ “حفتر” يحمل طموحات كثيرة، على رأسها حكم البلاد بالقوّة، وتؤكّد ذلك معاركه السياسية والعسكرية المفتوحة مع كلّ الجبهات، والتي أدّت إلى وقوع انشقاقات عدّة في صفوفه.. ويظلّ السؤال: هل يريد “حفتر” بناء جيش حقيقي أم أنّه مشروع ديكتاتور جديد؟…
الأيام ستجيب، وكذلك الممارسات والوقائع.
( يتبع…/ … )