مقترح للمصالحة اللّيبية العميقة والشّاملة. |بقلم: د. أبو بكر خليفة أبو بكر.
الجمعي الصحبي العليمي
23 أبريل، 2017
تحاليل سياسية
1,446 زيارة
تحاليل _ تحاليل سياسية _ مقترح للمصالحة اللّيبية العميقة والشّاملة. |بقلم: د. أبو بكر خليفة أبو بكر.
تعني المصالحة الوطنية في أبسط معانيها “عملية للتوافق الوطني تنشأ على أساسها علاقة بين الأطراف السياسية والمجتمعية قائمة على التسامح والعدل وإزالة آثار صراعات الماضي، لتحقيق التعايش السلمي بين أطياف المجتمع كافة ،بما يضمن الانتقال الديمقراطي الصحيح، من خلال آليات محددة، ووفق مجموعة من الإجراءات”…..
إن المصالحة الوطنية نتيجة حتمية تمرّ بها عادة الدول التي تعاني من خلافات جذرية أو صراعات داخلية، وهي تعدّ من أهم مفردات أي تسوية سياسية…
إنّ الدّرب الصحيح لتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة يستلزم إتباع الآليات المناسبة للعدالة الإنتقالية؛ لذلك من المهم دراسة المصالحة الوطنية جنبا إلى جنب مع آليات العدالة اﻹنتقالية: وهي تحديدا كشف الحقيقة والمحاسبة والتطهير، والإصلاح المؤسّسي، والعفو، وجبر أضرار الضحايا، وتخليد ذكراهم، وحفظ الذاكرة الجماعية.
وللمصالحة قواعد وشروط أهمّها:
1- الإتفاق على الثوابت الوطنية.
2- إعلاء مصلحة الوطن والابتعاد عن المكابرة والمغالبة التي تسوغ الثأر والإنتقام والتشفي والإعراض عن التخوين والنأي عن الأهواء الشخصية ، واستحضار النية الصالحة بهدف إصلاح ذات البين.
3- إجراء المصالحة في مناخ من الشفافية وسيادة القانون.
4- تحرّي الحقيقة كاملة وكشف المظالم لضمان عدم تكرار الانتهاكات.
5- التركيز على حقوق الضحايا (مثل أولوية عودة المهجرين والنازحين الليبيين إلى مناطقهم).
6- تكريس مبدأ عدم الإفلات من العقاب.
7- وجود جهة محايدة ومستقلة تعنى بتقييم نتائج المصالحة في مراحلها المختلفة. (كالجامعة العربية أو الإتحاد الأفريقي).
8- إتباع إطار مؤسّسي شامل للمصالحة.
9- عدم السماح بإستغلال المصالحة لتحقيق مكاسب حزبية أو جهوية أو قبلية.
(المشروع المقترح لتحقيق المصالحة الليبية)
لن ينقذ ليبيا من وضعها المأساوي والمتفاقم يوما بعد يوم وعاما بعد عام إلا اﻹشتغال على وضع لبنات وأسس مصالحة حقيقية أعمق وأشمل، لا تقصي أي لون وأي طيف، وتتجاوز وتعلو وتسمو على كلّ التصنيفات المجحفة والمقصية والتي ترتبّت على سقوط النظام السابق، مصالحة تنصهر فيها كل المكونات الليبية بدون إستثناء، يلتقي فيها جميع الليبيين، متمثلون في أعيان المناطق والجهات، وشيوخ ووجهاء القبائل، والنخبة، والكفاءات العلمية والثقافية والقانونية والسياسية، من أجل الوقوف على قاعدة ثابتة وصلبة للوفاق الحقيقي والعميق والشامل.
وعليه فإنّني أرى أنّ مشروع هذه المصالحة المنتظرة ينبغي أن ينطلق في وقت متزامن وبزخم كبير، وفي إطار أربعة سياقات: السياق اﻹجتماعي والسياق الإعلامي ثم السياق القانوني وأخيراً السياق السياسي.
أولا / السياق الإجتماعي:
يجب أن يشكل هذا السياق نقطة الانطلاق في مشروع المصالحة الليبية العميقة والشاملة، نظراً لخصوصية دور المكون اﻹجتماعي الليبي، حيث كان للمنظومة الاجتماعية التقليدية الليبية في فترات مهمّة من تاريخ ليبيا كلمة الحسم في لم الشمل ومنع التشظي والحفاظ على وحدة الكيان، وربما يعود السبب لعدم الوصول بعد إلى “دولة مؤسّسات” حقيقية منذ إستقلال ليبيا في خمسينيات القرن الماضي، لذلك ظل المكون الاجتماعي الليبي يلعب دوراً في حل النزاعات والخلافات بين المناطق والقبائل، أو حتى داخل القبيلة والمنطقة بتدخل الأعيان والشيوخ لفض النزاعات حسب الأعراف الموروثة، إن لم تفلح القوانين الوضعية في فض هذه النزاعات؛ لذلك يجب محاكاة هذه الآليات لوضع أساس المصالحة الشاملة التي تحتاجها ليبيا اليوم ،على أن يتمّ تحديد مكان يناسب الجميع وزمان يتفقون عليه لإلتقاء جميع ممثلي المناطق والقبائل من الأعيان والشيوخ ومن يرون فيه الكفاءة، ويطرح في هذا الإجتماع المشهود كل المسائل العالقة مهما كانت، من الشكاوى والمطالب بدون حرج، في مناخ من المصارحة والمكاشفة والشفافية، وما لايتم حله باﻷعراف يتم إحالته على القانون. على أن تتم مناقشة قضية المليشيات الجهوية والقبلية من حيث إمكانية حلها أو ضمها للجيش، حيث يكون للأعيان والشيوخ كلمتهم بهذا الشأن.
ثانياً/ السياق الإعلامي:
حيث يجب أن تنطلق كل القنوات الإعلامية المرئية والمكتوبة والإلكترونية في وقت سابق ومتزامن مع بدء الفعاليات اﻹجتماعية، فيتم بث برامج تحث على المصالحة وتكون ذات خطاب يوجه الى ضرورة التوافق والتصالح بين المكونات الليبية المتنازعة والمتعارضة ، عن طريق عرض التجارب العالمية في هذا الخصوص؛ كتجربة جنوب أفريقيا الرائدة في المصالحة، وأيضاً تجربة المغرب، وغيرهما..يكون ذلك عبر الأشرطة الوثائقية، والبرامج الحوارية، والإعلانات. الخ…
ثالثاً/ السياق القانوني:
حيث ينكب أكفأ الخبراء القانونيين الليبيين من أجل صياغة قرارات وقوانين وفقاً للعدالة اﻹنتقالية التي تتضمن جبر الضرر ، وإعادة الحقوق ، وعودة المهجرين والنازحين والإفراج عن السجناء وإغلاق السجون التي خارج سلطة الدولة، والاتفاق على الديات والتعويضات المالية ، والعض على القلوب والتسامح والعفو ما أمكن …والإتفاق على تأسيس لجنة مستقلة للإنصاف والمصالحة(محاكاة للنموذج المغربي للمصالحة وكذلك النموذج الجنوب أفريقي)ويكون من صلاحيات هذه اللجنة:
1– صلاحيات التحقيق والإستدعاء.
2-صلاحيات واسعة للتحقيق في أنماط إنتهاك حقوق الإنسان للسنوات الست أعقبت إنتفاضة 2011.
3– صلاحيات إصدار توصيات من ضمنها دفع تعويضات إلى المتضررين من الانتهاكات .
4– والصلاحية شبه القضائية في منح العفو، في ظروف معينة لمرتكبي إنتهاكات حقوق الإنسان، خاصة للذين يبادرون باﻹعتراف وطلب الصفح والعفو.
رابعاً/ السياق السياسي:
والذي أرى أنه يأتي رابعاً وأخيراً ، ويترتب على السياقات السابقة ، لأنه إذا تمّت المصالحة بين المكونات الإجتماعية المتنازعة، وتم الإتفاق على الآليات العرفية والقانونية لجبر الضرر وتسوية الحقوق ، حينها يكون الوفاق بين المكونات السياسية مكمّلا لما سبقه، ويتمّ الإتفاق بين السياسيين على مختلف إتجاهاتهم ومنطلقاتهم إما من أجل إنجاز إتفاق جديد، يكون هذه المرّة على أسس أقوى إجتماعيا وانطلاقاً من أرضية وفاق عميق حقيقي، أو تعديل “إتفاق الصخيرات” وفق أجواء أفضل، أو الإتفاق على إجراء إنتخابات برلمانية ورئاسية على قاعدة صلبة لمصالحة حقيقية وعميقة وشاملة.