تحاليل _ تحاليل سياسية _ ناجي جلول: تونس عالقة في الأزمات بسبب فشل النّخبة السّياسية.
في الوقت الذي تغلبت فيه تونس على التهديد الذي يشكله الجهاديون على ديمقراطيتها الوليدة، فإنها لا تزال متورطة في أزمات اقتصادية واجتماعية بسبب فشل النخبة السياسية في استغلال إمكانات البلاد، حسب رأي ناجي جلول رئيس المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، وهي مؤسسة فكرية تابعة للرئاسة التونسية تأسست في عام 1993، وتجري دراسات حول القضايا الرئيسية التي تهم تونس ومستقبلها، بما في ذلك الإرهاب الجهادي.
الحرب على الإرهاب
قال ناجي جلول، وزير التعليم التونسي السابق، وهو مؤرخ وحاصل على شهادة الدكتوراه في علم الآثار من جامعة السوربون بباريس، في حوار مع صحيفة “العرب ويكلي”، إن “تونس هزمت الإرهاب. لم يعد الإرهاب يشكل تهديدا بالنسبة لنا. تونس الآن آمنة مثلها مثل باريس وبقية العواصم الأوروبية”، مضيفا أنه واثق من قدرة قوات الأمن التونسية على التعامل مع التهديد الجهادي.
وشدد على أن قوات الحرس الوطني التونسي، التي تقف الآن في طليعة كتائب الكفاح ضد الجهاديين، أضحت مرجعا عالميا في المعركة الناجحة ضد الجهاديين. ويسعى الخبراء والمسؤولون الأمنيون من عدة دول أجنبية للتعلم من هذه القوات ومن خبراتها.
وذكر أنه تم سحق تنظيم الدولة الإسلامية أولا في تونس قبل العراق وسوريا، حيث سبقت هزيمته في بن قردان هزيمته في العراق وسوريا، مشيرا إلى معركة فاصلة قادها الجنود والقوات الأمنية التونسية -بمساعدة المدنيين المحليين- في مارس 2016، والتي أسفرت عن هزيمة العشرات من أعضاء تنظيم داعش ممن عبروا الحدود الليبية وحاولوا السيطرة على مدينة بن قردان الحدودية مع ليبيا من خلال اقتحام النقاط الأمنية للحرس الوطني والثكنات العسكرية. ولم تعرف تونس بعد هذه العملية هجمات إرهابية جديدة. وعاد السياح إلى البلاد بأعداد متزايدة منذ أوائل عام 2017، وهي علامة تؤشّر على استعادة الثقة في المناخ الأمني.
التحدي الاقتصادي
لسنوات بعد ثورة عام 2011 التي أطاحت بالرئيس التونسي الأسبق، زين العابدين بن علي، جعلت الجماعات الجهادية التابعة لتنظيمي داعش والقاعدة من تونس هدفا رئيسيا في منطقة المغرب العربي، حيث كثفت تلك الجماعات أنشطتها بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في عام 2014.
وأودت العمليات التي شنتها الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية بحياة أكثر من 60 سائحا في هجومين في عام 2015، أحدهما في متحف في تونس والآخر في منتجع ساحلي في مدينة سوسة. وتتعاون القوات التونسية بشكل وثيق مع حلف الناتو وكذلك مع القوات العسكرية والأميركية الاستخباراتية.
ولكن تونس تواجه الآن تحديا رئيسيا يستهدف اقتصادها. فمنذ عام 2011 أظهرت المؤشرات نموا أقل في الناتج المحلي الإجمالي وارتفاعا في البطالة وزيادة في الدين الخارجي. وانتشر الفساد بسبب توسع الاقتصاد غير الرسمي. كما أن تعاقب ثماني حكومات، الذي نتج عن عدم الاستقرار السياسي، لم يساعد الوضع على التحسن.
وعلق جلول على الوضع الراهن مشيرا إلى أن الأزمة الاقتصادية في تونس هي نتيجة لانهيار الطبقة السياسية. هناك طلاق بيّن حدث بين مكونات الطبقة السياسية، وما تحتاجه البلاد هو صياغة مشروع وطني يساعد مجتمعها.
وأضاف أن لدى تونس موارد بشرية هائلة وكفاءات ومهارات في جميع المجالات، لكن المشهد السياسي تحول إلى ساحة يتهم فيها كل طرف الطرف الآخر. وكنتيجة لذلك، انسحبت النخبة التي تتمتع بالمعرفة والمهارات والخبرات من الأحزاب السياسية بسبب الاقتتال الداخلي وعدم الاهتمام بالتركيز على مشاريع التنمية.
وقال جلول إن تونس يمكن أن تحل مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية إذا قامت النخب السياسية بتشكيل “إجماع وطني” لوضع البلاد على الطريق الصحيحة نحو مشروع تنمية “ذاتي الاستدامة” بالاعتماد على الموارد الطبيعية.
لكن بدلا من ذلك تظل تونس، على حد قوله، عالقة في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بسبب فشل النخبة السياسية في الاستفادة من إمكانات تونس العظيمة ومواردها الطبيعية. وأشار جلول أيضا إلى أن هذه الموارد لا تقتصر على النفط والغاز، مضيفا أن لدى تونس موارد طبيعية وفيرة أخرى كالملح ورمال السيليكا والرخام والجبس الطبيعي.
وقال إن البلاد يمكنها بناء صناعات متنوعة من هذه الموارد وخلق عدد هائل من الوظائف، مضيفا أن مزارع الطاقة الشمسية الكبيرة يمكن أن توفر طاقة رخيصة وتحل مشاكل المياه في تونس لتوسيع الري الزراعي.
وأكد جلول أنه يمكن لتونس الاستفادة من البحر عن طريق بدأ أعمال متنوعة من المنتجات الصيدلانية والتجميلية والغذائية. “لكن بدلا من الاستفادة من هذه الثروة ندير ظهورنا إلى البحر”، مشيرا إلى أن تونس يمكنها أيضا استخدام الرخام والجبس الطبيعي والفوسفات لتطوير الصناعات المحلية التي تخلق فرص عمل وتساعد المناطق المهملة.
وتنامى عدم الاستقرار الاقتصادي والتوترات الاجتماعية، لا سيما على طول الحدود الهشة لتونس، حيث كثيرا ما كان تهريب الممنوعات مصدرا رئيسيا للإيرادات. وشكل التهريب على طول الحدود الغربية مع الجزائر والحدود الجنوبية مع ليبيا تحديا كبيرا للأمن والاستقرار الاجتماعي في تونس.
وأجبرت الاحتجاجات المتكررة من قبل المواطنين الحكومة على اتخاذ وضعية استباقية بشكل دائم، في محاولة لاسترضاء الشعب المضطهد في المناطق المتأثرة بخطط عمل مؤقتة وإصلاحات اجتماعية.
وقال جلول “إن الناس في هذه المناطق لا يحتاجون إلى تدابير اقتصادية مُسكّنة؛ لماذا لا توجد هناك صناعة رخام في تالة؟ لماذا لا توجد صناعة تعتمد على إنتاج الفوسفات في قفصة؟ لماذا لا توجد صناعة تعتمد على الجبس الطبيعي في تطاوين؟” مشيرا إلى المدن الواقعة في غرب وجنوب تونس التي تأثرت بفعل الاضطرابات الاجتماعية.