تحاليل _ تحاليل سياسية _ وثيقة قرطاج 2 تُنهي مهمّة الشّاهد وحكومته برمّتها وبلا أيّ استثناءات.
تتواصل في تونس جولات المفاوضات بين الرئيس الباجي قائد السبسي والأحزاب والمنظمات الوطنية الموقّعة على وثيقة أولويات حكومة (وثيقة قرطاج 2 معدّلة) بخصوص مصير ما يعرف بحكومة الوحدة الوطنية التي يقودها يوسف الشاهد منذ عام 2016.
وأنهت لجنة الخبراء الفنية المتكونة من ممثلي الأحزاب والمنظمات الثلاثاء وضع اللمسات الأخيرة على وثيقة قرطاج 2، وذلك قبل المصادقة عليها في اجتماع يوم غد الجمعة 18 ماي الجاري الذي سيضم رؤساء الأحزاب والمنظمات بإشراف الرئيس بقصر قرطاج.
وعلاوة على تضمّنها أكثر من مئة نقطة تمحورت جلها حول السبل الكفيلة بإخراج تونس من دوائر الخطر خصوصا في ما يخص الملفين الاقتصادي والاجتماعي، فقد جاءت الوثيقة الثانية مختلفة تماما عن الأولى التي تم توقيعها في صيف 2016 خصوصا لإيلائها محورا كاملا تعلّق بكل ما هو سياسي.
وقالت يسرى الميلي عضو اللجنة الفنية والقيادية بحزب الاتحاد الوطني، إنّ مسودة وثيقة قرطاج الثانية حظيت تقريبا بإجماع كل الأحزاب والمنظمات التي شاركت في صياغتها في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وأكّدت الميلي أنّه تمّ الاتفاق في نصّ الوثيقة الجديدة على تلافي تضمين بند يمنع الحكومة المقبلة أو رئيسها من الترشّح للانتخابات الرئاسية القادمة وذلك احتراما للعبة الديمقراطية، بحسب قولها. وشدّدت في المقابل على أنّ الوثيقة الجديدة جاءت واضحة في ما يخصّ المحور السياسي، بتنصيصها في أحد البنود على أنّ من أهم العراقيل التي ساهمت في فشل حكومة يوسف الشاهد هو عدم التزامها بتطبيق أولويات البلاد المُلِحّة وانشغال رئيسها بالاستحقاقات الرئاسية القادمة.
واتّهم الشاهد منذ إعلانه الحرب على الفساد منتصف العام الماضي بانطلاقه في حملة انتخابية رئاسية مبكّرة. وتشير تسريبات إلى أنّ طموحات الشاهد الخفية غذّت حربا بين قصر قرطاج (قصر الرئاسة) وقصر القصبة (قصر الحكومة).
وحول مصير يوسف الشاهد وكل فريقه الحكومي بعد المصادقة على وثيقة قرطاج 2، أكدت الميلي أنّ مسألة رحيله وفريقه الحكومي باتت محسومة لدى مختلف المنظمات والأحزاب السياسية ولدى رئيس الجمهورية أيضا.
وكشفت لأوّل مرّة أن وثيقة قرطاج 2 تتضمن بندا ينص على تغيير حكومة الشاهد برمتها وبلا أيّ استثناءات.
وأوضحت أنه تم التوصّل إلى هذا الاتفاق بعد خلافات طويلة بين مختلف الأطراف، مؤكّدة أن حركة النهضة الإسلامية بدورها والتي كانت من أشدّ المعارضين لرحيل الشاهد أبدت موافقتها التامة على وجوب تغيير كامل الفريق الحكومي.
وكانت مصادر مطّلعة أكّدت أن الباجي قائد السبسي أعلم رئيسي حزبي نداء تونس وحركة النهضة الإسلامية والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل بأنّ حكومة الشاهد باتت حكومة تصريف أعمال إلى غاية الإعلان عن بديل عقب المصادقة على الأرضية السياسية المشتركة التي تتضمنها وثيقة قرطاج 2.
وقالت مصادر أخرى إن الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج هي من ستقوم بتشكيل الحكومة هذه المرّة، عكس المرّات الماضية التي كان يتم فيها اختيار رئيس الحكومة ليقوم بتشكيل فريقه.
وبرّرت ذات المصادر هذه الخطوة الجديدة بمساعي رئاسة الجمهورية وكل المنظمات والأحزاب لتلافي إضاعة الوقت في التشاور مع الأحزاب حول فريقه، خصوصا أنّ موعد الاستحقاقات التشريعية والرئاسية اقترب (2019).
وأضافت أن تشكيل حكومة جديدة لوحده يكلّف البلاد الكثير من الوقت، خصوصا أنّه من الناحية الدستورية يجب تمريرها على البرلمان لنيل ثقة نواب الأحزاب السياسية.
ويأتي اتفاق جميع الأطراف المشاركة في مفاوضات قصر قرطاج على وجوب رحيل حكومة الشاهد، عقب تمسّك منظمتي اتحاد الشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) ومنظمة أرباب العمل بضرورة تغيير الحكومة برمتها وتعويضها بحكومة كفاءات مصغّرة تهتم فقط بتطبيق بنود اتفاق قرطاج.
وتدعّم هذا التوجّه الأخير عقب اجتماع سري سبق أن أشارنا إليه في هذا الموقع وجمع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي والمدير التنفيذي للحزب الحاكم نداء تونس حافظ قائد السبسي قبيل اجتماع الاثنين الماضي بقصر قرطاج وتم الاتفاق فيه بصفة نهائية على رحيل الحكومة.
وانتهجت حركة النهضة الإسلامية الشريك في الحكم مع نداء تونس منذ انتخابات عام 2014، نفس السيناريو الذي اتّبعته في 2016 لدى إقالة رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد.
وتشبّثت الحركة بوجوب مواصلة الصيد قيادة الحكومة طيلة مفاوضات وثيقة قرطاج الأولى، لتسحب البساط من تحت أقدامه في آخر اجتماع سبق إعلان الباجي قائد السبسي عن تكليف يوسف الشاهد بتشكيل الحكومة.
وتشير الكواليس الأولية إلى أن حركة النهضة وبعد أن رفضت في وقت سابق التقليص من عدد أعضاء الحكومة الحالية عند بداية المفاوضات حول وثيقة قرطاج 2، غيّرت موقفها لتتّجه نيتها إلى عدم المشاركة في الحكومة المقبلة لغايات تكتيكية وانتخابية والاقتصار في المقابل على دعمها سياسيا.
وأكّدت مصادر مطّلعة أنّ حركة النهضة ستسحب أمينها العام زياد العذاري من تشكيلة الحكومة المرتقبة بهدف التركيز على الطموحات المنتظرة للحزب، خصوصا بشأن الانتخابات التشريعية والرئاسية في 2019، في ظلّ توضّح نوايا رئيسها راشد الغنوشي الترشح للرئاسة إن لم يترشّح الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي. وحول الأسماء المقترحة لخلافة الشاهد على رأس الحكومة تشير الكواليس الأولية إلى أن الرئيس يفكّر مليا في وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ليكون رئيسا للحكومة المقبلة، فيما اقترح نجله حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لحزب نداء تونس اسم وزيرة السياحة والقيادية بالحزب الحاكم سلمى اللومي.
______________________________________________________________________________
*وسام حمدي | صحافي تونسي.