تحاليل _ تحاليل سياسية _ في الذّكرى التّسعين لميلادهم: ولي العهد السعودي يتعهّد بالقضاء على فكر الإخوان.
وصفت مصادر خليجية تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن جماعة الإخوان بأنها إعلان عن انطلاق المواجهة مع التنظيم المتشدد ليس فقط على مستوى السعودية، بل على مستوى إقليمي ودولي أشمل، خاصة أنها تأتي عشية زيارته للولايات المتحدة ولقائه المرتقب مع الرئيس دونالد ترامب.
وأشارت المصادر إلى أن السعودية الجديدة، التي صارت تبني علاقاتها الخارجية على أساس التوازن وتبادل المصالح، ستربط اتفاقياتها ومشاريعها المستقبلية، بمصالحها السياسية وعلى رأسها الوقوف ضد أنشطة إيران المهددة للأمن الإقليمي، ومحاربة الجماعات الإسلامية المتشددة وبينها جماعة الإخوان المسلمين والدول الراعية لها في المنطقة وعلى رأسها قطر.
وتعهد ولي العهد السعودي بالقضاء الكامل على ما تبقى من “فكر عناصر جماعة الإخوان المسلمين الذي غزا المدارس السعودية”.
وقال الأمير محمد في مقابلة مع برنامج “60 دقيقة” على شبكة سي بي اس نيوز الأميركية إن “المدارس السعودية تعرضت لغزو من عناصر جماعة الإخوان المسلمين، ولا يزال البعض منهم موجودا، ولكن في القريب العاجل سيتم القضاء عليهم نهائيا”.
وردا على سؤال مقدمة البرنامج، نورا أودونيل، بشأن القضاء على التشدد في النظام التعليمي، أجاب الأمير محمد قائلا “بالطبع سنقضي على التشدد، فلا توجد دولة في العالم تقبل أن تعرض نظامها التعليمي لغزو من أي جماعة متطرفة”.
وأكد أن بلاده “ستقدم للعالم ما تبذله من مساع حثيثة لمواجهة التطرف”، مضيفا أنه “بعد عام 1979 كنا ضحايا لبعض الممارسات الدينية، وبخاصة جيلي الحالي”.
ويرى متابعون للشأن السعودي أن الموقف الحاسم من جماعة الإخوان يعود إلى كونها قد أدخلت أفكارا غريبة عن التدين السعودي الأصلي، أي ما قبل الستينات والسبعينات حين استقبلت المملكة ودول خليجية أخرى المئات من الإخوان الهاربين من المواجهة مع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر.
ويشير المتابعون إلى أن الجماعة تتحمل مسؤولية مباشرة عن صعود التيارات المتشددة الأخرى مثل القاعدة وداعش من خلال مزج الدين بالسياسة، وشحن العقول بالرغبة في الانتقام والقتل وتغيير الواقع كليا، بدل خطاب الإصلاح، والثقة التامة بين الحاكم والمحكوم، وهو الخطاب الذي بني عليه النموذج السعودي الأصلي.
ويعتبر هؤلاء أن الموقف السعودي الحاسم تجاه الإخوان قبل زيارة واشنطن يمثل رسالة واضحة بأن المملكة تتبرأ من الجماعة دينيا وسياسيا، وأنها تريد أن تستعيد تدينها الأصلي الذي اختطفه فكر يحث على التكفير واحتكار الحقيقة، ما يعني فتح الباب واسعا أمام مراجعة دول كبرى وبينها الولايات المتحدة لموقفها من التنظيم، نحو تصنيفه تنظيما إرهابيا وحظر أنشطته وتفكيك شبكاته العابرة للدول.
ووصف رشيد الخيون الباحث في التراث الإسلامي الموقف السعودي بالضربة القاضية للإخوان وخروجهم من الجنة.
وقال الخيون في تصريح اعلامي “لم يكن حسن البنا غير واعٍ مبكرا لدور السعودية في قوة أو ضعف الجماعة، حيث مكة والمدينة والثروة والساحة المتدينة، عندما طلب من الملك عبدالعزيز فتح مكاتب للإخوان، وكان رد الملك واعيا أيضا لما تريده الجماعة، فأجاب: كلنا إخوان مسلمون. وعندما ذكر له المسؤولين عن ذلك المكتب قال: نسيت واحدا! ويعني نفسه، وبهذا الجواب رفض مؤسس المملكة ذلك الطلب”.
ويسعى الأمير محمد بن سلمان إلى إحداث تمايز في أذهان الأميركيين، مواطنين ومسؤولين ووسائل إعلام، بأن السعودية الجديدة تحتاج في طريقها لتحقيق إصلاحات جذرية إلى إحداث قطيعة مع الأفكار الوافدة وتفكيك الجماعات المتشددة التي سيطرت على المنابر الحيوية في المملكة خاصة قطاع التعليم.
وألغت وزارة التعليم في المملكة الاعتماد على قرابة 80 كتابا من كتب الإخوان من البرامج الدراسية وبينها كتب لحسن البنا وسيد قطب ويوسف القرضاوي. كما بدأت حملة لتطويق فكر هذه الجماعات في وسائل الإعلام، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي.
ووضعت السعودية شروطا مشددة لجمع التبرعات لمحاصرة شبكات تمويل المتطرفين، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، التي توظف الأموال التي تجمعها من دول الخليج في بناء شبكة إعلامية مترامية لمهاجمة الدول الأربع المقاطعة لقطر، واستهداف الدور الذي تلعبه السعودية في اليمن، وفي المنطقة ككل.
واستقبل الإخوان بالسعودية، بعد خلافهم مع عبد الناصر، واحتلوا المؤسسات التعليمية، وهي ضالتهم المنشودة، وخلاف ما اتفق عليه، مارسوا العمل السياسي، وأخرجوا السلفية التقليدية إلى خلطة سلفية- إخوانية، ومنها ظهرت جماعة السروريين، بواسطة الإخواني السوري محمد سرور، وأصبحت السعودية مقرا لكبارهم، حتى ظهرت الصحوة في بداية التسعينات، وظهر موقف الإخوان جليلا، فكان تصريح وزير الداخلية الأسبق الأمير نايف بن عبدالعزيز صادما للإخوان عندما اعتبرهم مسؤولين عن الكوارث بالمنطقة، ثم صدموا عندما اعتبروا جماعة إرهابية من قبل السعودية، واليوم يأتي تصريح الأمير محمد بن سلمان صدمة قاضية للإخوان، بحسب تعبير الخيون.
واستهدفت قرارات الأمير محمد بن سلمان الإصلاحية تثوير الأوضاع والملفات التي يستثمرها المتشددون عادة لتقوية نفوذهم مثل تغيير صفة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من تنفيذية إلى استشارية مقدمة لإلغائها والاحتكام في القضايا الخلافية إلى القوانين، فضلا عن التشجيع على الترفيه والسياحة، وتطوير القوانين والتشريعات لفائدة المرأة السعودية.
وكشف ولي العهد السعودي الأحد 18 مارس عن سن قوانين واتخاذ إصلاحات جديدة بشأن المرأة السعودية، من بينها مساواتها في الراتب مع الرجل، مشيرا إلى أن “المرأة السعودية لم تحصل على كامل حقوقها بعد”.
ويقول مراقبون خليجيون إن مواجهة السعودية لجماعة الإخوان ستكون لها نتائج مفصلية في المنطقة، لأنها سترفع بذلك عن الجماعة غطاء الدين الذي تتستر به، وستمنعها من الحصول على التمويل اللازم الذي كانت تجمعه من دول الخليج تحت غطاء التبرعات الخيرية، مستفيدة من سيطرتها على منابر كثيرة.
وسيوفر الموقف السعودي التوقيت السياسي المناسب أمام الولايات المتحدة لتحسم أمرها في ما يتعلق بحظر أنشطة الجماعة في الداخل الأميركي، فضلا عن مواجهة الدور التخريبي الخفي الذي تقوم به كونها الحضن الفكري والتربوي الذي يتربى فيه قادة المتشددين على كراهية الآخر وضرورة تصفيته، قبل أن يعلنوا عن تأسيس كيانات متخصصة في الهجمات العنيفة.
ويرى هؤلاء المراقبون أن الموقف السعودي من الجماعة سيوسع النقاش غربيا حولها، في ظل موجة الذئاب المنفردة التي تتخرج في مساجد يسيطر عليها إخوان أو مقربون منهم، وأن هذا سيعطي مشروعية أكبر للتحقيق الذي أجراه في 2014 سفير بريطانيا السابق في السعودية السير جون جينكينز.
وخلص التقرير، الذي أمر بإجرائه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وقتها واستغرق عاما ونصف العام، إلى أن الأيديولوجيا التي يتبناها الإخوان هي مدخل للتشدد والعنف.