تحاليل _ تحاليل سياسية _ ليبيا: من حلم الحرية إلى «سوق العبيد»؟.
أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أوّل أمس وجود أسواق لبيع العبيد في مدينة سبها جنوب ليبيا يباع فيها كسلعة الساعون للهجرة إلى أوروبا من الأفارقة بما يتراوح بين 200 و500 دولار وأنّ منظمي هذه الأسواق التي تقام علانية في ساحات انتظار للسيارات هم عصابات التهريب التي أصبحت شبكات كبيرة أشبه بعصابات المافيا الدولية.
تقوم هذه الشبكات التي تمتلك جماعات مسلحة باعتقال المهاجرين من نيجيريا والسنغال وغامبيا خلال توجههم شمالا نحو ساحل البحر المتوسط لركوب مخاطر البحر التي قد تودّي بهم إلى الموت غرقاً بدلاً من الوصول إلى شواطئ أوروبا.
تستخدم هذه الشبكات والأشخاص الذين يبتاعونهم «عبيدهم» الذكور في أعمال البناء الشاقّة والزراعة فيما تتعرّض النساء للاغتصاب والإجبار على العمل بالدعارة، وفي الحالتين يتعرّض المحتجزون رغماً عن إرادتهم لسوء المعاملة والضرب والتعذيب ويتمّ التعامل مع بعضهم كرهائن لابتزاز أهاليهم الفقراء، وقد ينتهي مصير بعضهم ممن لا يستطيع دفع فدية للقتل أو يتركون للموت جوعا ثم يدفنون من دون تحديد هويتهم فلا تعرف أسرهم ماذا حلّ بهم.
يرتبط الأمر بداية بأنظمة متهالكة جائرة تنتج الاستبداد والجوع والتمايزات الشاسعة وتغلق أبواب التطوّر والحياة لشبانها فيحاولون الهروب منها نحو حلم شاسع بالحياة الكريمة والصعود الاجتماعي والمالي في بلدان الغرب ليتلقّفهم مجرمون وجدوا الفرصة سانحة لامتهان إنسانية بشر لا أحد مهتم بإنقاذهم أو باستعادتهم فهم مجرّد فائض زائد عن الحاجة يتم تصريفه بتسليمه للمجرمين القتلة المغتصبين أو يُتركون لأسماك البحر لتلتهمهم.
حلم المهاجرين الأفارقة المشروع يذكّر بحلم آخر داعب الليبيين وظنّ الكثيرون أنه اقترب من التحقق عندما اندلعت «ثورة 17 فبراير» عام 2011 ضد العقيد معمر القذافي وعائلته «المالكة» وأجهزة أمنه البشعة ومغامراته الإرهابية العالمية ومشروعه النووي الذي كلّف المليارات ثم سلّم مفاتيحه للغرب و«كرنفال» أزيائه المستمر وحديثه عن «ثورة جماهيرية» توزّع أموال الثروة النفطية الهائلة على المواطنين في الوقت الذي كان يطارد فيه معارضيه («الكلاب الضالة» كما وصفهم) لتصفيتهم داخل البلاد وخارجها ويعتبر المتظاهرين ضده «جرذانا».
غير أن ذلك الحلم ما لبث أن تراجع شيئاً فشيئاً مع تضاؤل وزن المؤسسات التشريعية والتنفيذية أمام الكتائب المسلّحة التي أسقطت النظام، وبدء التدخّل العسكري الإقليمي في ليبيا الذي أنتج ظاهرة الجنرال حفتر، واستهتار الدول الغربية بكلّ ما يحصل وانفضاضها عن دعم الديمقراطية والأمن.
لكنّ تحوّل ليبيا من أرض الحرية الموعودة إلى صيرورتها مركزا للتهريب واستعباد البشر واغتصاب النساء وخطف المهاجرين الفقراء واستغلالهم أمر أسوأ بكثير ممّا توقّعه الليبيون (والعالم) وهو يجعلنا نتساءل عن كيفية خروج ليبيا من هذا الثقب الأسود ومن هذه السمعة التي لا تليق بأهلها الأحرار ولا بشعبها الذي لم يبخل في قتال الاستعمار الإيطالي والاستبداد القذافي.
رئيس حكومة «الوفاق الوطني» الليبية فائز السراج، الواقع بين تهديدي تنظيم «الدولة الإسلامية» والجنرال حفتر الذي باشر، عمليّاً، حرباً ضدّ الحكومة الشرعية، وجّه اللوم إلى الدول الأوروبية وقال إنّ وعودها لتدريب خفر السواحل الليبيين «جوفاء»، غير أن السراج وضع أصبعه على السبب الحقيقي لكل ما يحصل في بلاده بتوجيهه اللوم أيضاً إلى أوروبا لبذل «المزيد من الجهد في المساعدة على استقرار ليبيا».
فأوروبا، كما نعلم، غضّت الطرف عن ظاهرة حفتر بل وتعاونت بعض دولها معه رغم معرفتها بأنّه ليس إلّا نسخة «كربونية» من نظام القذافي، وأن أعلى ما يطلبه هو أن يطبّق سيناريو الثورة المضادّة في مصر ولو أدّى ذلك ببلده للتبعية المباشرة للقاهرة.
بتقبّلها فكرة استيلاء حفتر على السلطة وإعادة ضبط ليبيا بالنار والسلاح، أو بتقسيمها، كما اقترح أحد مساعدي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو باكتفائها بصدّ اللاجئين عن حدودها، وصولاً إلى استخدام مسألة العبيد ضمن دعايتها لصدّهم عن العبور إلى ليبيا، لا تفعل أوروبا غير أن تعيد الحكاية الاستشراقية القديمة عن أنّ الديمقراطية لا تليق بالعرب وأنّ المستبدين هم أفضل من يحكمهم.