تحاليل _ تحاليل سياسية _ هل تستطيع تركيا وروسيا تغيير مصير «الشّرق الأوسط»؟
بعد نجاحه في الاستفتاء الشعبي على إقرار النظام الرئاسي في تركيا وهو ما يعني إمساكه، بشكل غير مسبوق، بأركان السلطات في بلاده، ما يؤهّله، عمليّاً لإعادة موضعة تركيا في محيطها الجغرافيّ المترامي والعالم بدأ رجب طيب أردوغان جولة خارجيّة تضم الهند وروسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية وبلجيكا (لحضور قمة حلف الأطلسي في بروكسل) ولقاء عدد من القادة الغربيين للتحضير لقمة موسعة «حاسمة» تقرّر مصير العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي.
خلال وجوده الحالي في روسيا للقاء رئيسها فلاديمير بوتين صرّح الرئيس التركيّ قائلا إن البلدين، روسيا وتركيا، قادران على «تغيير مصير الشرق الأوسط» في حال اتخاذ «قرارات جادة».
الرئيسان الوارثان لتاريخ امبراطوريتين كبيرتين، لا تزال الدولتان تملكان نفوذاً وتأثيراً كبيرين على وسط آسيا (حيث يتنافس الإرث واللغتان والنفوذ التركي والروسي ضمن البلدان الإسلامية السابقة في الاتحاد السوفييتي) وأوروبا (عبر الغاز الروسي وعضوية تركيا في حلف الناتو… وفيض اللاجئين) و«الشرق الأوسط»، وهما قادرتان بالفعل على تغيير الكثير من المعادلات وخصوصاً في البلدان العربية الملتهبة، وعلى الأخصّ سوريا حيث ثبّتت روسيا وجودها العسكريّ وتقوم تركيا برعاية المعارضة عسكريا وسياسيا.
لكلا الطرفين مصالح في التقارب، فروسيا تدرك أنها لا تستطيع، على المدى الاستراتيجي، دعم بلد منهار اقتصاديّاً وسياسياً كسوريا، وتعرف أنها غير قادرة على إعادة إحياء نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي انهار اقتصادياً وسياسياً ويعيش عسكرياً، إلى حدّ كبير، على إمدادات روسيا وإيران وميليشياتها اللبنانية والعراقية، فيما تعاني تركيا من خطر تمدّد نفوذ حزب العمال الكردستاني المدعوم، للمفارقة، من النظام السوري ثم من واشنطن، وتشكيله دويلة كردية على حدودها.
البلدان يتشاركان أيضاً مصالح اقتصادية كبيرة، وهما يخطّطان لرفع التبادل التجاري بينهما إلى حدود 100 مليار دولار والتعاون في مجالات الطاقة والسياحة غير أن ما سيلفت نظر العالم، ويثير قلقاً في حلف الأطلسي الذي كانت تركيا وما تزال أحد أكبر الجيوش فيه، هو اتفاق أنقرة على شراء منظومة دفاع صاروخية من موسكو.
لا يمكن لهذه التفاهمات «الشرق أوسطية» بين البلدين أن تأخذ مجرى التطبيق من دون تذليل تحدّيات ثقيلة وحلول يصعب على القيادتين تقبّلها من دون إحساس بخساراتها لاستثمارات سياسية وعسكرية الأولى بنبذها فكرة إعادة تركيب نظام لم يعد قابلاً للتأهيل مع العالم بأي مقياس، والثانية بقبولها فكرة أن دحر النظام بشكل نهائي ليس أمراً ممكناً في الوقت الذي تعتبر فيه تركيا تأسيس دولة كرديّة لحزب العمال الكردستاني الخطر الأول عليها.
لا يستطيع البلدان أيضاً تجاهل وزن ونفوذ إيران الهائل في الإقليم كلّه، وحتى لو استطاع البلدان الوصول إلى صيغة مقبولة للتفاهم مع طهران، فإن الاتفاقيات التي سيتوصلان إليها ستكون أيضاً محلّ تجاذب وتنابذ بين البلدين مع أوروبا… وأمريكا الموجودة فعليّاً بشكل عسكريّ في العراق وسوريا.
ما يجمع البلدين فعليّا هو الإحساس بالخطر والمهانة من المحاولات المستمرة لاحتوائهما من قبل الأمريكيين والأوروبيين لكن تحويل الإحساس بالخطر والمهانة إلى مصالح واتفاقات على الأرض هو أمر صعب ولكنه ليس مستحيلاً.