تحاليل _ تحاليل سياسية _ هل تنجح الإمارات في إيصال سيف الإسلام القذافي إلى كُرسي والده؟
جاء إعلان سيف الإسلام القذافي ترشّحه، رسميا، للانتخابات الرئاسية المُقبلة في ليبيا، ليؤكّد ما ذكرته مصادر إعلامية قبل أشهر حول وجود «خطّة إماراتية» لإعادته إلى السّلطة بمباركة أمريكية، وربّما هذا ما يفسّر الاهتمام الكبير من قبل وسائل الإعلام الإماراتية بخبر ترشّحه للرئاسة.
ورغم أنّ نجل الزعيم الليبي الراحل اعتمد – كعادته – على أحد الناطقين باسمه للإعلان عن عزمه خوض الانتخابات الرئاسية، إلّا أنّه أراد توجيه رسائل عدّة (للداخل والخارج) عبر هذا الإعلان المقتضب، حيث قدّم أيمن بوراس – المحدّث باسمه – ما سمّاه «مشروع إنقاذ ليبيا» وهو ببساطة إعادة إنتاج لمشروع «ليبيا الغد» الذي سبق أن طرحه سيف الإسلام قبل أكثر من عشرة أعوام، كما تحدّث عمّا سمّاه «الحقد الصليبي» المستديم ضدّ الإسلام، وعبّر عن استعداده للتعاون مع جميع القوى في الداخل والخارج من أجل عملية المصالحة والعفو والحوار بين جميع الأطراف الليبية.
ويمكن القول إنّ القذافي الابن بهذا الخطاب أراد استمالة القبائل الليبية التي ما زالت تدين بالولاء لوالده في محاولة لإقناعهم بإمكانية تكرار سيناريو معمر القذافي في ثوب «ديمقراطي» جديد يتكىء على الدعم اللامحدود من قبل الشخصيات المحسوبة على أبو ظبي في ليبيا بدءاً بالجنرال خليفة حفتر وليس انتهاء بالسفير السابق عارف النايض. كما أنه حاول «دغدغة» مشاعر الإسلاميين عبر حديث عن «الحقد الصليبي» ضد الإسلام، فضلا عن اختياره تونس للإعلان عن قرار ترشحه وحديثه عن دعم دول الجوار، ويبدو أنه أراد على ما يبدو إقناع المجتمع الدولي عموما أنه الرجل الأنسب لهذه المهمة، رغم ما تنطوي عليه من مخاطر عدة في بلد مثل ليبيا.
قبل أشهر، نشرت صحيفة جنوب افريقية تقريراً مطوّلاً حول «صفقة سرية» للإمارت تحظى بمباركة أمريكية، وتتلخص بإعادة سيف الإسلام القذافي إلى الحكم، على أن يقوم باقتسام السلطة مع الجنرال خليفة حفتر، مشيرة إلى أنّ كلّاً من واشنطن وأبوظبي تحاولان إقناع مختلف الأطراف السياسية والقبلية في ليبيا بهذه الخطّة، فضلاً عن إقناع المجتمع الدولي (والمحكم الجنائية الدولية خاصة) بضرورة الكفّ عن الملاحقة القضائية لسيف الإسلام، ومنحه «فرصة» جديدة لإعادة الاستقرار إلى ليبيا.
وهذا ما يفسّر حجم الأموال التي أنفقتها أبوظبي لإقناع كتيبة «أبو بكر الصدّيق» التي كانت تحتجزه في مدينة «الزنتان» (غرب)، حيث أشارت بعض المصادر إلى أنّ نور الدين بوشيحة مدير مكتب رئيس الوزراء السابق محمود جبريل، وإحدى الشخصيات المحسوبة على أبوظبي في ليبيا، أجرى مفاوضات طويلة مع آمر كتيبة أبوبكر الصديق العجمي العتيري لإقناعه بإطلاق سراح سيف الإسلام القذافي، مشيرة إلى أنّ الأخير قبِل بعد تلقيه ملايين الدولارات من أبوظبي.
صحيفة «البيان» الإماراتية تحدثت في أكتوبر الماضي عما سمّته «شبه إجماع» على أن أنصار القذافي يمثّلون الرقم الصّعب في المعادلة الليبية، وأنّ تجاهل دورهم سيؤدّي إلى إستمرار الأزمة إلى ما لانهاية، مشيراً إلى أنّ «أغلب القبائل الليبية» تطالب بالسماح لسيف الإسلام القذافي بالعودة إلى العمل السياسي، وأنّ الطرف الوحيد الذي يقف ضدّ عودته إلى العمل السياسي هو «الجماعات المتطرّفة» التي قالت إنّها تفتقد إلى شرعية الشّارع.
ورغم هذا الحشد المالي والإعلامي الذي تقدمه أبوظبي منذ أشهر لتلميع صورة نجل القذافي، إلّا أنّها عمدت قبل أسبوع فقط إلى تقديم مرشّح آخر للانتخابات الرئاسية في ليبيا هو السفير الليبي السّابق لديها عارف النايض والذي يصفه البعض بـ «رجل الإمارات الأوّل في ليبيا»، وهو يشكل إلى جانب شخصيات أخرى مثل خليفة حفتر ومحمود جبريل وجمعة الأسطى وسواهم، الأذرع السياسية والإعلامية و«الدينية» للمشروع الإماراتي السّاعي لتقسيم ليبيا واستنزاف مواردها.
وربما تسعى أبوظبي لتقديم مرشحين للرئاسة الليبية إلى الإيهام وكأن ثمة تنافساً بين الرجلين، إلا أن المراقب لن يحتاج إلى الكثير من الجهد لاكتشاف هذه اللعبة الانتخابية، حيث سبق أن هاجم حفتر سيف الإسلام علنا وحاول التقليل من شأنه، لكنه عاد لاحقا (في تناقض مفضوح) لنفي هذا الأمر وتأكيد دعمه له. وقد تلجأ أبوظبي للزج بمرشحين آخرين لن يكونوا سوى كمبارس لإغراق «السوق الانتخابية» أملاً في الدفع بمرشّحها الأساسي إلى سدة الحكم، على أن وصول سيف الإسلام إلى الحكم لن يكون خياراً صائباً بالضرورة ولا يعني ضمان «الاستقرار» (من وجهة النظر الإماراتية)، فرمال الصحراء الليبية سبق أن ابتلعت والده، وقد لا توفّره مستقبلاً.