تحاليل _ تحاليل سياسية _ «وثيقة» تكشف خطّة الإمارات لمواجهة «النهضة» والتحكّم في القرار السياسي في تونس.
كشفت مصادر إعلامية عن «وثيقة» تلخص الاستراتيجية الإماراتية المقبلة لمحاولة التحكم بالقرار السياسي والاقتصادي في تونس، عبر تقديم الدعم لعدد من الأطراف السياسية والإعلامية لمواجهة حركة «النهضة»، وهو ما أثار موجة من الاستنكار لدى عدد كبير من التونسيين، حيث اتهم بعضهم الإمارات بمحاولة ضرب مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد.
والوثيقة،المشار اليها، صادرة عن وحدة الدراسات المغاربية عن «مركز الإمارات للسياسات» بتاريخ الأول من جوان الحالي (تزامناً مع الحملة الإعلامية ضد قطر والتي انتهت بمقاطعتها لاحقاً)، وتنقسم إلى جزءين، يتعلق الأول بمحاولة قراءة الأوضاع القائمة في تونس، فيما يبحث الثاني كيفية «كبح النفوذ القطري» ومواجهة حركة «النهضة» الإسلامية، والتي ترى الوثيقة أنها باتت تتسيّد المشهد السياسي بعدما تحولت إلى «رقم صعب» في معادلة الحكم في تونس.
ولا ترى الوثيقة حلاً قريباً للأزمة الاقتصادية المستمرة في تونس منذ سقوط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي عام 2011، مقللة من أهمية الحرب التي يقودها رئيس الحكومة يوسف الشاهد ضد رموز الفساد في البلاد، كما تنتقد ضعف التحالف الحاكم و«خضوعه» لنفوذ حركة النهضة، وتتحدث عن ضعف وانقسام الجبهة المناوئة للحركة الإسلامية، وغياب الزعامات السياسية القادرة على «إنقاذ» الوضع في ظل «إخفاق» الرئيس الباجي قائد السبسي في البروز كقائد سياسي على الطريقة البورقيبية.
غير أن الجزء «الأهم» في الوثيقة يتجلّى في الجزء الثاني والذي يرد تحت عنوان «الاستراتيجية الإماراتية المقترحة»، حيث تقترح الاستراتيجية المفترضة التدخل في الشأن الديني ضمن ما تسميه «إعادة بناء الإسلام الزيتوني التقليدي» والتنسيق مع مراكز أبحاث تتصدر المواجهة مع حركة «النهضة».
كما تطالب ببناء كتلة سياسية موالية للإمارات من خلال «كسر» تحالف «نداء تونس» و»النهضة» عبر دعم محسن مرزوق الأمين العام لحركة «مشروع تونس» وعدد من الزعامات الدستورية والتجمعية السابقة كمصطفى الفيلالي ومنصور معلى، فضلاً عن رئيس حزب «المبادرة الدستورية كمال مرجان ورئيسة «الحزب الدستوري الحر» عبير موسى.
كما تقترح الوثيقة «تبني» بعض الزعامات السياسية التي تحظى باحترام لدى التونسيين مثل أحمد نجيب الشابي (مؤسس الحزب الجمهوري) والذي يسعى لبناء جبهة سياسية لمواجهة النهضة، فضلاً عن فتح قنوات مع أهم مكونات المجتمع المدني الفاعلة، وخاصة اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارية (منظمة الأعراف)، حيث ترى الوثيقة أن قيادات هذه المنظمات قد يكون لديها دور سياسي كبير مستقبلاً.
ومن جهة أخرى، تقترح الوثيقة تحت عنوان «كبح النفوذ القطري في الساحة التونسية»: «بناء شراكات اقتصادية ومالية تكرّس ميزان قوى سياسيا (التركيز على رجال الأعمال النافذين)، ودعم قطب إعلامي منافس، من بين مكوناته جريدة «المغرب» وإذاعة «شمس» وقناة «الحوار التونسي» الخاصة، ودعم المؤسسات والمنتديات الثقافية التي يمكن أن تنافس المؤسسات المدعومة قطرياً، (…) على غرار دعم الإمارات لمؤسسة «مؤمنون بلا حدود» المغربية (فرعها النشط في تونس) ومؤسسة «بيت الحكمة» الحكومية».
وأثارت الوثيقة المسربة موجة من الاستنكار من قبل السياسيين والنشطاء، حيث كتب هشام العجبوني القيادي في حزب «التيار الديمقراطي»: «المتابع للساحة السياسية في تونس لم يكن يحتاج إلى هذه الوثيقة المسرّبة ليفهم ما يحصل، وحجم التدخل الإماراتي السياسي والإعلامي لدعم الشقّ المناهض (ظاهريّا) للإسلام السياسي ولضرب مسار الانتقال الديمقراطي!».
واعتبر الإعلامي خليل كلاعي أنّ الوثيقة تضمنت معطيات غير دقيقة وخاصة فيما يتعلق بـ «تراجع الحضور الإماراتي و تقدم النفوذ القطري بعد الثورة (وهو معطى غير دقيق بالنظر للدور الذي لعبته الإمارات سرّا وعلانية قبل وبعد استحقاق 2014) من الأمور غير الدقيقة الواردة كذلك في الوثيقة ما جاء فيها عن الانقسام بين تيارات مختلفة داخل النهضة».
وأشار إلى أن الوثيقة تؤكّد «الانزعاج الشديد لدى الإمارات من تجربة التوافق داخل تونس والتي كسرت مشروع تفتيت المنجز المؤسّساتي بعد الثورة وهو ما يعني أن محاولات مرتقبة كثيرة ستصب في واد كسر هذا التوافق (…) الوثيقة أشارت إلى إعادة بناء الإسلام الزيتوني التقليدي وربما يستشف من هذه الإشارة اللعب من جديد على وتر الإسلام الصوفي الذي وقع توظيفه في الانتخابات الفارطة لصالح نداء تونس».
وأضاف «ما يفهم من هذه الوثيقة (…) أن جوقة المواقع والصفحات والإعلاميين والقنوات نفسها التي خدمت الأجندة الإماراتية الرامية إلى إفشال عملية الانتقال الديمقراطي في تونس وتمكين ودعم المنظومة القديمة المطعمة بوجوه ديمقراطية، ستعود لتلعب نفس الدور في المحطات السياسية والانتخابية المفصلية في البلاد مرة أخرى بالاعتماد على جماعة ضغط تونسية بتوجيه وتمويل إماراتي ندرك ونستشعر وجودها لكننا نجهل تفاصيلها والقائمين عليها على وجه الدقّة».
فيما اتهم الأمين العام لحركة «مشروع تونس» محسن مرزوق حركة «النهضة» بتسريب الوثيقة متوعّداً بمحاسبة من قام بتسريبها بدفع «ثمن سياسي كبير»، منتقداً من وصفه بـ «رجل الإمارات في تونس»، مشيرا إلى أنّه يمتلك علاقات جيّدة من عدد كبير من الدول العربية والأجنبية.