تحاليل _ تحاليل سياسية _ بعد 32 سنة من مجزرة حمّام الشط.. كلّ التفاصيل عن عملية “السّاق الخشبية”.
وقعت مجزرة حمام الشط في الأول من أكتوبر عام 1985 في ضاحية حمام الشط جنوب العاصمة التونسية حيث قامت 8 طائرات من سلاح الجو الاسرائيلي بقصف المقرّ الرئيسي لمنظمة التحرير في المغرب العربي بتونس العاصمة.
فبعد أن أُجْبِرت منظمة التحرير على النزوح من العاصمة اللبنانية بيروت في عام 1982، عملت إسرائيل على تعقّب أعضاء المنظمة في معظم البلاد العربية، بهدف تدمير مقرّاتها عسكريا أو سياسيا، حيث تمكّن الموساد ( المخابرات الإسرائيلية ) من تعقّب أحد الاجتماعات المهمّة في مقرّ المنظمة في تونس حيث قامت 08 طائرات من سلاح الجوّ الإسرائيلي بقصف مقرّ منظمة التحرير أو كما كان يسمى مقر ياسر عرفات في ضاحية حمام الشط بوابل كبير من القنابل ممّا أدّى إلى تدمير المقرّ بالكامل وبعض منازل المدنين في المنطقة.
جاء ذلك بعد أن اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً في نهاية صيف 1985 بتصفية القيادة الفلسطينية من خلال ضربة تنفّذها الطائرات الحربية الإسرائيلية وتكفّلت قيادة سلاح الجو الإسرائيلي بالإعداد للتنفيذ وتمكّنت من الحصول على صور أقمار صناعية دقيقة من خلال محلّل في المخابرات العسكرية الأمريكية كُشف فيما بعد وحكم بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة و قد أطلقت إسرائيل على هذه المجزرة اسم (الساق الخشبية).
بعد إعداد سلاح الجوّ الإسرائيلي لخطته المحكمة بقصف منطقة حمام الشط بدأ الموساد الإسرائيلي بتجنيد عملاء لتحديد الموعد الذي يُمكّن من اصطياد القيادة الفلسطينية مرّة واحدة وبنهاية شهر سبتمبر 1985، دعا الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات القيادة العسكرية لعقد اجتماع بتونس وحدّد الموعد يوم الأول من أكتوبر وبدأ أعضاء هذه القيادة من كبار الضبّاط يتوافدون على تونس، وعندما علم أحد عملاء الموساد بهذه المعلومات قام بإبلاغها إلى إسرائيل والتي زوّدته بجهاز إرسال عالي الدقّة بحجم ولاعة السجائر لإرسال أيّة معلومات من أجل وضع اللمسات الأخيرة للعملية.
ليلة الثلاثين من سبتمبر 1985، كان ياسر عرفات في منطقة حمام الشط أيّ قضى ليلته هناك وخرج صباح الأول من أكتوبر يتمشّى على شاطئ البحر، وعند الساعة التاسعة أبلغه مدير مكتبه العسكري بتأجيل الاجتماع لأنّ عدداً من كبار الضبّاط لم يتمكنوا من الوصول إلى تونس بسبب حجوزات الرحلات الجوية ممّا حتّم تأجيل الاجتماع للمساء.
وفي حدود الساعة التاسعة والنصف صباحاً غادر الرئيس ياسر عرفات منطقة حمام الشط متجهاً إلى منطقة رادس جنوب العاصمة التونسية لتقديم التعازي إلى عائلة وزير الدفاع التونسي الأسبق عبد الله فرحات والذي توفى قبل أيام.
علم رجل الموساد أنّ الرئيس ياسر عرفات أجّل الاجتماع وغادر منطقة حمام الشط، لكن الطائرات الإسرائيلية كانت على بعد أقل من سبعمائة كيلومتر عن الشواطئ التونسية ويستحيل إلغاء العملية.
في العاشرة تماماً، أي بعد نصف ساعة من موعد عقد اجتماع القيادة العسكرية الفلسطينية انهالت ستة صواريخ على مقرّ قيادة الأركان الفلسطينية والتي كانت تستأجر منزلاً في منطقة حمّام الشط فأزالته تماماً عن الوجود وهذا المقر كان سيحتضن اجتماع القيادة العسكرية الفلسطينية كما قصفت الطائرات الإسرائيلية مقر ياسر عرفات ومكتبه والمقر الخاصّ بحراساته.
عملية الغارة على حمّام الشط كانت أكبر ضربة تلقتها منظمة التحرير الفلسطينية، فلو نجحت في تحقيق أهدافها لأزالت كلّ القيادة العسكرية الفلسطينية عن الوجود دفعة واحدة.
وقد أعلن الكيان الصهيوني رسمياً مسؤوليته عن تلك الغارة الوحشية فور وقوعها وأعلن أنّه قام بها في إطار حقّ الدفاع عن النفس, بينما بقي الإعلام التونسي متأخرا وظلّ لساعات يتحدّث عن “طائرات مجهولة”!!!.
سقط في هذه الغارة 68 شهيداً وأكثر من 100 جريح من فلسطينيين وتونسيين روت دمائهم الطّاهرة أرض تونس الخضراء وفضحت وعرّت فيما بعد العملاء والخونة الذين باعوا أنفسهم، وحيث امتزج أثناءها الدم التونسي والفلسطيني. وحسب التقرير الرسمي للسلطات التونسية إلى الأمين العام “للأمم المتحدة” أدّت تلك الغارة إلى سقوط العديد من الشهداء التونسيين والفلسطينيين : مصرع 50 فلسطينياً و18 مواطناً تونسياً وجرح 100 شخص وخسائر مادية قدرت بـ (5,821,485) ديناراً تونسياً ( نحو 8,5 ملايين دولار).