تحاليل _ تحاليل سياسية _ على وقع الحراك المواطني في تطاوين.. تونس في حاجة إلى عقد اجتماعي جديد. |بقلم: أمين بن مسعود*.
لا يزال سؤال الزمن الاقتصادي والاجتماعي في تونس ملحّا على الفاعل الرسميّ الذي يتعامل مع كافة الاستحقاقات من زاوية الانفعال الآني ومن دون استجلاء للأسباب أو تعمّق في جذور المعضلة.
يعاني الفاعل الرسمي التونسي من تأخّر مرضي عن مسايرة الزمن الاجتماعي بما يجعل كلّ القرارات المهمة والاستراتيجية في وقتها ضبابية وعامة جدا في غير وقتها.
لن يناقش أحد قيمة القرارات التي اتخذتها حكومة يوسف الشاهد لصالح محافظة تطاوين ولغيرها من المحافظات الداخلية التي تعاني الأمرّين جراء سياسة التهميش طيلة سنوات الاستقلال، لكن المفارقة أن ذات القرارات فقدت مصداقيتها وأثرها على المواطن بعد أن آثرت الحكومة استجلاب هذه الخطوات الإيجابية في وقت متأخر وضمن مقاربات إطفائية تسعى إلى كسب الوقت والتنفيس الاجتماعي أكثر من تأصيل التنمية. بهذا المعنى تستنزف الإجراءات الإصلاحية وعوضا من أن تكون لبنة في الإصلاح تصير من حيث يدري الفاعل الرسمي أو لا يدري خطوة ترقيعية لمنع الانفجار المجتمعي وهو ما حصل في تطاوين.
لم يستوعب الفاعل الرسمي الجديد أنّ الفاعل الرسمي القديم ممثلا في نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، سقط وتنحّى عن الحكم، ليس فقط لأنه لم يكن جديّا في الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، بل وهو الأهم، أنّه تأخر عن ميعاد التغيير واستفاق متأخرا عن سقف المطالب، وفي الزمن الذي استهل فيه خطاب لتجديد كانت الحناجر تنادي بسقوطه.
للأسف، تثبت حكومة يوسف الشاهد أنها تتعامل بنفس العقلية التعويمية والتأجيلية مع المطلبية الاجتماعية والاقتصادية، ففي الوقت الذي كانت فيه المظاهرات منحسرة في مشهدية الاعتصامات الهامشية لم تتحرّك بالشكل المطلوب والجذري لاتخاذ ذات القرارات التي اعتمدتها الأسبوع الماضي.
وفي السياق الذي بات خلاله سقف التطلعات والانتظارات ينادي بإصلاح منظومة القرار تنزّلت القرارات الإصلاحية التي لم تجد رجع الصدى المطلوب.
ولئن كان من عدوّ حقيقي يتربّص بالحكومة أولا وبالدولة التونسية ثانيا، فلن يكون التوظيف السياسي لهذا الحراك المجتمعي، بقدر ما هو سياسة التوظيف العكسي للزمن المجتمعي، عبر الاعتماد على الارتخاء الاجتماعي والتعويل على الاستسلام الناعم للمحتجين.
ولعلنا لا نجانب الصواب إن قلنا إنّ الزمن الاجتماعي، يتطوّر باطراد بمفعول المجافاة مرة والنكوص مرة ثانية وسياسة الترهيب والترغيب مرة ثالثة، يستوجب من كافة الفاعلين في المشهد التونسي الاستباق عبر التأسيس لعقد اجتماعي جديد يفتح الأبواب لمسلكية جديدة في العلاقة المواطنية.
لا بد اليوم من عقد اجتماعي جديد في تونس قوامه التوازن في توزيع الثروات بين الجهات، وتشبيب الاستثمار، وإعادة النظر في دور الدولة الاجتماعي والاقتصادي لا من زاوية مقتضيات وإملاءات الجهات الدولية المانحة، وإنما من بوابة بيئة الاستثمار الجديد وتدعيم اللامركزية دون إلغاء المركز، والدفع بمنظومة الحقّ في الإضراب دون ضرب موارد الدولة.
تجاوز العلاقة الثنائية بين محتج مفقّر مطالب ودولة فقيرة مطلوبة، يفرض أولا وأخيرا عدم استبطان منهاج ما بعد الليبرالية، حيث تتحوّل الدولة إلى مجرّد إدارة تعنى بالدفاع والأمن والوثائق الإدارية فقط، بل وهو الأهمّ المزاوجة بين فرص الاستثمار الخاص والدولة المستثمرة في القطاعات الاستراتيجية.
تونس في حاجة إلى عقد اجتماعي جديد وإلى عقليات اجتماعية جديدة لدى المواطن أولا ولدى الدولة ثانيا ولدى الفاعلين الاجتماعيين ثالثا، وتلك هي المعضلة والاستحقاقات الأهم في تونس.
————————————————————————————————–
* كاتب ومحلّل سياسي تونسي.