تحاليل _ تحاليل سياسية _ حكم قضائي ضدّ أحد مسؤولي بن علي يثير جدلاً في تونس.|بقلم: حسن سلمان
تسبّب حكم قضائي ضدّ أحد مسؤولي نظام الرئيس التونسي السّابق زين العابدين بن علي، جدلاً كبيراً في تونس، حيث استغرب عدد من السياسيين «الحكم الجائر» ضدّ ما اعتبروه «مسؤول معروف بنظافة اليد»، فيما اعتبر عدد من الأحزاب (من الائتلاف الحاكم والمعارضة) أنّ مسار العدالة الانتقالية في البلاد حاد عن أهدافه السامية.
وقضت المحكمة الابتدائية في تونس بسجن بن علي وصهره عماد الطرابلسي و6 مسؤولين سابقين في النظام السابق، بينهم وزير الدولة السابق للشباب كمال الحاج ساسي، 6 سنوات بتهمة الإضرار بالإدارة واستغلال النفوذ وتحقيق فائدة غير قانونية ضمن ما يعرف بقضية «حفلات ماريا كيري» (نسبة إلى المغنية الأمريكية المشهورة).
وأثار الحكم الصادر بحق كمال الحاج ساسي بشكل خاص جدلاً كبيراً، حيث وصف “ساسي” الحكم ضدّه بأنّه «مهزلة»، مشيرا إلى أنّه لم يرتكب أية تجاوزات ومهمّته كانت تنحصر في إنجاح التظاهرات الثقافية والفنية خلال حكم النظام السابق، فيما قام عدد من نواب البرلمان بزيارة منزله للتعبير عن التضامن معه إثر هذا الحكم.
وأصدر حزب «آفاق تونس» بياناً انتقد فيه «المحاكمات التي طالت ولازالت تطال عدداً من إطارات الدولة ممن خدموها دون تحقيق أي مصالح شخصية أو منافع مادية في إطار منظومة حكم لا ننزه ولا نبيض أخطاءها»، وأكّد احترامه لاستقلالية القضاء التونسي، لكنه اعتبر أن تواصل هذه المحاكمات هو «دليل آخر على أن مسار العدالة الإنتقالية في بلادنا حاد عن أهدافه السامية وأضحى ذلك مهدّدا للوحدة الوطنية».
ودعا الحزب إلى «الإسراع في سنّ قانون تتوقف بموجبه التتبعات أو المحاكمات أو تنفيذ العقوبات في حقّ الموظفين العموميين وأشباههم من أجل أفعال قاموا بها أثناء أدائهم لمهامهم لطبيعة النظام القائم قبل الثورة باستثناء تلك المتعلّقة بالرشوة وبالاستيلاء على الأموال العمومية لإرجاع الثقة للإدارة والموظفين بمختلف مستوياتهم الوظيفية. كما يدعو الجميع إلى تغليب العقلانية وتجنب المزايدات السياسية والتوظيف لغايات فردية أو فئوية تضرّ بالمجموعة الوطنية».
وعبّرت حركة «مشروع تونس» عن خشيتها من استعمال القضاء «كأداة لتصفية حسابات سياسية وضرب مساعي المصالحة وما لذلك من انعكاسات على حظوظ البلاد في الخروج من الأزمة الشاملة التي تعيشها»، ودعت الحكومة إلى «الوفاء بتعهداتها في ما أعلنته من عزم على مقاومة الفساد، وأن لا تتخذ من المعالجة الاستعراضية لبعض الملفات القديمة وسيلة للتغطية على تقاعسها الواضح في كشف الفساد المستشري اليوم وفي تتبع الفاسدين».
وكتب منير بن صالحة (محامي بن علي) معلّقاً على القرار «يبدو أنّ شخصية العقوبة ومبدأ التأويل الضيّق للنص الجزائي وقاعدة الشكّ الذي ينتفع به المتهم وقرينة البراءة، كلّها فقدت معانيها ويبدو أنّ مسلسل الأحكام الثورية لا يزال متواصلاً وأنّنا لن نغادر أبداً حقبة النظام السابق ومنطق محاسبة الماضي، رغم أّن حاضرنا اليوم حافل بالتجاوزات والاستيلاءات والاغتيالات والمؤامرات ولكنّنا اخترنا البقاء في مربع الماضي بالرغم من أن اقتصاد البلد تحطّم والناس يرزحون تحت نير الفقر والحرمان».
وأضاف الإعلامي سمير الوافي «صدمتني الأحكام القاسية الصادرة ضدّ وزراء ومسؤولين وموظفين سابقين (…) الخبر هزّ الرأي العام والسياسيين ولم يترك أحداً محايداً، لأنّ الذين حوكموا كانوا في خدمة الدولة والبلاد طيلة سنوات، ومهما كانت أخطاؤهم لا أحد ينكر عليهم وطنيتهم العالية وتفانيهم في بناء هذه الدولة بإخلاص، وهم العنوان الخطأ للفساد».
وأضاف «أحدهم هو السيد كمال الحاج ساسي، أعرفه شخصياً منذ سنوات، رجل فاضل وقدوة في الأخلاق ونظافة اليد والطيبة والوطنية، أنفق عمره في خدمة البلاد منذ كان معتمداً حتى صار كاتب دولة ثم سفيرا، لم نعرف عنه فساداً ولم يؤذِ أحداً ولم يظلم أحداً، كان وظل محبوباً في السلطة وخارجها، لا أحد يكره كمال الحاج ساسي ولا أحد يرصد في تاريخه وشخصيته وصمة عار، لذلك تعاطف معه الجميع من مختلف الانتماءات والتيارات والأزمنة، ولا أحد اقتنع بأنّ ذلك الرجل الشريف والطيّب يسرق أو يظلم».