تحاليل _ تحاليل اجتماعية _ إشكالية نقد الموروث الدّيني في السنغال وعقلية الخوف. |بقلم: د. محمّد المختار جي*.
إنّ الموروث أو التراث الديني لأيّ مجتمع من المجتمعات البشرية له أهمّيته القصوى، وهو معلم من معالم حضارته، وركيزة أساسية من ركائز هويته، ولذلك يجب الاهتمام به والمحافظة عليه، ولكن هذا لا يعني إحاطة هذا التراث بهالات من القداسة لا يجوز المسّ به أو إعمال العقل فيه وإبداء وجهات النظر لإبراز الجوانب المضيئة فيه والمظلمة. فنقد التراث لا يعني هدمه أو محاولة استئصاله من جذوره، أو إيجاد قطيعة، بل هو محاولة لإعادة قراءته قراءة موضوعية واعية، ستتلاءم مع متطلّبات العصر والحداثة، وتخرجه من دائرة القداسة التي يضفيها عليه بعض الناس، و أن مخالفته خروج عن الطاعة وعصيان يترتّب عليه الهلاك في الدنيا والآخرة.
ويبدو أنّ الموروث الديني في السنغال، ذو الطابع الطرقي الصوفي، (إذ الإسلام في السنغال إسلام طُرُقِي صُوفِي)، يمثّل أحد صنوف هذا الموروث الذي يتوجّب تخصيصه بالدراسة والتحليل والتطوير والنّقد البنّاء، إذ أن فيه كثيرا من الانحرافات والانزلاقات والشطحات، والنصوص الجامدة المجترّة المعيقة للتقدّم والنّهضة الفكرية، وهي بحاجة إلى إعادة النظر وإزالة الصدأ الذي يتراكم على حقائقها.
إن ما تركه أسلافنا وعلماؤنا ومشائخنا من مصنّفات وقصائد ومدائح، نقلوا أغلبها عن كتب التراث العربي الإسلامي في عصور الجمود والركود، يتطلّب قراءتها من جديد غربلتها وتنقيتها، إذ لا يكفي التغنّي بتلك المدوّنات والقصائد، والتبرّك بها ، وانشادها في الموالد والاحتفالات الدينية زعما بتعبّديتها ، بل لا بدّ من فهمها وتمييزها، وتصفيتها من الانحرافات العقدية والخرافات الفكرية، وتصحيح بعض الاتجاهات الخاطئة. فالإسلام ليس دين تبعيّة أو تقليد أعمى، أو خضوع لشيخ معيّن أو لفكر معيّن، بل هو دين تفكّر وتبصّر، وتدبّر، ودين اجتهاد وتجديد.
وعليه، فقد آن أوان نقد هذا التراث الدّيني في السنغال بعلم وشجاعة أدبية، والتخلّص من التمجيد، والتقديس، والتصنيم لكلّ الآراء والكتابات التي هي مجهود بشري أو اجتهادات بشرية قابلة للتغيير والتجديد ، و قد تحتمل الخطأ بقدر ما تحتمل الصواب.
———————————————————————————
* د. محمّد المختار جي – باحث في الحضارة الإسلامية.