تحاليل _ تحاليل سياسية _ الزعيم بورقيبة اعترف باغتيال صالح بن يوسف … فهل يجب إعادة كتابة التاريخ؟. |بقلم: إسماعيل بوسروال.
يبدو أنّ جلسة الاستماع العلنية الأخيرة التي خصّصتها هيئة الحقيقة والكرامة للتطرق إلى الانتهاكات الواقعة إبان خروج المحتل الفرنسي من تونس قد حرّكت مياه راكدة كثيرة وبدأت تفوح منها روائح قد لا تعجب الكثيرين، خاصّة بعد تصاعد أكثر من صوت وازن في الساحة السياسية والأكاديمية لفتح كتب التاريخ والنبش فيها لإماطة اللّثام عن حقائق كثيرة وقع تغييبها وطمسها لأكثر من 60 سنة.
هل نحتاج إلى إعادة كتابة التاريخ في تونس بعد ما ورد في جلسات الاستماع صلب هيئة الحقيقة والكرامة ؟
تاريخ تونس المكتوب حاليا في الكتاب المدرسي هو “تاريخ الملوك” وليس “تاريخ الشعوب”..
تاريخ تونس المعاصر هو تاريخ الرئيس مدى الحياة بورقيبة والرئيس الذي ورثه بانقلاب بن علي.
يجب أن يكتب تاريخ تونس الحديث.. يكتب وفق النظرية العلمية الحديثة:دراسة المجتمعات في بعدها الزمني / نظرية بول فاين .
ننطلق من استشراف المستقبل لسبر أغوار الماضي بالعودة إلى المصادر الأصلية والوثائق التي لا يرقى إليها الشكّ.
استشراف المستقبل يتمثّل في أنّنا نحلم بمجتمع متضامن متآلف متسامح وبدولة تقوم على العدل والإنصاف يحكمها القانون، دولة مؤسّسات.
أمّا سبر أغوار التاريخ فيكون بهدف كشف الحقائق كما حدثت فعلا وتفسيرها في ضوء الاعتبارات الراهنة وهي القيم الإنسانية الحضارية السائدة في العصر.
كتابة التاريخ لا يتولاها من يقبض الأموال مقابل المواقف…كما أن كتابة التاريخ لا تتمّ بناء على مجرّد أقوال، بقدر ما تعتمد على ” وثائق مكتوبة ” لا يرقى إليها الشك وكذلك على شهادات حيّة لمعاصرين يقوم الدارسون بتمحيصها.
وفي هذا الإطار تمثل هيئة الحقيقة والكرامة أهم إضافة نوعية للمشهد التونسي بعد دستور ثورة الحرية والكرامة وهي أداة للكشف عن الجرائم التي تم ارتكابها باسم الدولة قصد إنصاف الضحايا ومنع تكرار المظالم.
لماذا انزعج المتاجرون ببورقيبة؟
بما أنّ بعض السياسيين ليس لهم بضاعة يروّجونها سوى أمرين اثنين هما : ” شتم النهضة” أوّلا و ” تأليه بورقيبة ” ثانيا وبما أنّ هيئة الحقيقة والكرامة قدمت شهادات تؤكّد تورّط الزعيم بورقيبة في اغتيالات سياسية، فقد دبّ فيهم الرعب لأّنه ستتم تعريتهم من الدثار الذي تدثّروا به.
لقد نشر الدكتور خالد عبيد في الصباح الأسبوعي 27 مارس 2017 مقالا اعتبر فيه مطالبة سهام بن سدرين بإعادة كتابة التاريخ مغالطة كبرى وأنّ كتابة التاريخ اختصاصه هو وزملاءه الأكاديميين، و لكنه تعمّد هذا الادعاء لأنّ الحقيقة التاريخية كانت غائبة في التاريخ التونسي و ما يتوفّر اليوم لم يكن في متناول الباحثين “المحايدين”، فهيئة الحقيقة والكرامة تضع اليوم على ذمة الدارسين جميع الوثائق السرّية لأنّها لم تعد ملكا للحزب الحاكم ولم تعد ذات تأثير على الأمن القومي كما أنّه يمكن الاستفادة من جهاز المخابرات الفرنسي الذي تسمح له قوانين بلاده بالإفراج عن الملفّات السرّية بعد 40 أو 50 سنة حسب الحالة.
إن هلعا ظاهرا أصاب سياسيين تونسيين مثل عبير موسي ومحسن مرزوق وسمير العبدلي وغيرهم، فهاجوا وماجوا لأنّ هيئة الحقيقة والكرامة مسّت ” المقدّس ” عندهم وهو تاريخ بورقيبة الذي يستخدمونه كـ “ماعون صنعة” للتجارة لا غير، فهم لم يدافعوا عن بورقيبة وهو في الإقامة الجبرية طيلة 13 عاما.
أمّا محمد رجاء فرحات الذي مات والده تحت التعذيب في العهد البورقيبي فقد جاء إلى تلفزيون الحوار التونسي ليقول أنّ صالح بن يوسف تمّ اغتياله من طرف أقربائه (وهو كذب واضح فاضح)، في حين أنّ الزعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة اعترف بنفسه ـ في محاضرة أمام طلبة معهد الصحافة وعلوم الأخبار أن عملية اغتيال صالح بن يوسف نفذّها جهاز تابع للدولة التونسية بإشراف ” بشير زرق العيون ” وكان مفاخرا بالإنجاز مبتهجا مزهوا والجماهير تصفّق.
الخلاصة :
الزعيم الحبيب بورقيبة اعترف بمسؤوليته في اغتيال الزعيم صالح بن يوسف ولا عزاء لمن يصرّون على طمس الحقائق والاستمرار في تزوير التاريخ.
(مؤكد أنّ الوثيقة متوفّرة في أرشيف الإذاعة والتلفزة)