تحاليل _ تحاليل اجتماعية _ «الإسلام الإفريقي»: أَلَقُ البِدَايَاتِ وزَخَمُ المَآلَاتِ. |بقلم: د. محمد المختار جي*.
إن الإسلام أحد الديانات السماوية جاء ليكون عالميا يتجاوز حدود الزمان والمكان ويحطم جسور اللون والعرق والجنس فهو بالمصطلح القرآني دين رحمة وهداية إلى الناس كافة. وكان لإفريقيا السمراء الشرف والاعتزاز لاحتضان هذا الدين ورعايته بعد رفضه من أهالي مكّة وذلك في إطار الهجرتين إلى الحبشة حين قال النبي صلى الله عليه وسلم :”لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإنّ بها ملكا لا يظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق حتى يجعل الله بكم مخرجا مما أنتم به”.(1). فاختيار الرسول لإفريقيا لم يكن جزافا أو عشوائيا بل كان بعد قراءة متأنية ودراية تامة بشؤون المنطقة. وكان أحد أبناء القارة الإفريقية من الرواد الذين اعتنقوا الإسلام وهو بلال بن رباح الذي كان رمزا للقوّة الفولاذية والإيمان الصّادق المخلص.
إنّ ذلك اللجوء السياسي من بعض الصحابة إلى الحبشة، يعتبر أوّل بادرة أو خطوة أساسية للتوغّل الإسلامي في مناطق أفريقيا، لكن أسئلة عديدة تطرح في هذا الخصوص:
إلى أيّ مدى تأصلت جذور الإسلام في إفريقيا السمراء؟
ماهي العوامل التي ساهمت في تقعير هذا الدين ؟
وهل استطاعت رياح الثقافة الإسلامية أن تجتث العقائد الوثنية أو الأساطير والخرافات والدروشة والشعوذة التي كانت تسيطر في أفريقيا؟
إنّ التديّن ظاهرة قديمة وعريقة لدى الأفارقة ميّز كلّ مجالات حياتهم الإجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولذلك فالإنسان الإفريقي كغيره من الأجناس الأخرى متديّن بطبعه ومتشبّث بالاعتقادات الارواحية أو الإحيائية، وكان يفسّر كلّ نشاطاته وحركاته تفسيرا تيولوجيا ميتافيزيقيا، ولعل هذا ما حدا ببعض الباحثين إلى القول بأنّه لا وجود لأيّة مؤسّسة في إفريقيا السوداء سواء كان في المجال الاجتماعي أو السياسي بل حتى في النشاط الاقتصادي، لا تنبني على تصوّر ديني، أو لا يكون الدّين حجر الزاوية فيها، فهذه الشعوب التي يستنكر أن يكون لها دين هي في من بين الشعوب الأكثر تديّنا على وجه الأرض. (2).
ومن هنا وجد الإسلام أفريقيا أرضا خصبة، فتموقع فيها بفضل بعض العوامل الأساسية مثل العلاقات التجارية الاقتصادية بين العرب المسلمين الأفارقة، وموجة الفتوحات الإسلامية وقيام ممالك وامبراطوريات ذات صبغة إسلامية، إضافة إلى جهود بعض العلماء و زعماء الطرق الصوفية…ومنذ بروز المرابطين تطوّر الإسلام في بعض مناطق أفريفيا وأصبح دينا رسميا لها.
ولذلك يمكن تقسيم توغّل النفوذ الإسلامي إلى مراحل ثلات:
1 – مرحلة الاحتكاك السلمي / وكان تجار العرب والمسلمين والبربر ركائز هذه المرحلة وعمادها.
2 – مرحلة الفتوحات / ميّزتها فتوحات المرابطين الذين أعطوا النفوذ الاقتصادي والثقافي الإسلامي سندا سياسيا.
3 – مرحلة جمعت بين السلم والفتوحات.
وفي إطار المشهد الديني الإسلامي في إفريقيا ارتسمت اتجاهات ومذاهب فقهية وعقدية تمثلت في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية، والمذهب الخارجي الإباضي، كما اخترقت أراضيها في العقود الأخيرة الحركة الوهابية التيمية المنادية بالمنهج السلفي بهدف تطهير عقائد المسلمين والتخلّص من العادات والممارسات العقدية التي انتشرت في إفريقيا وتراها مخالفة لجوهر الإسلام التوحيدي مثل الطرقية والتوسّل إلى الأولياء والتبرّك بقبورهم وإقامة المولد النبوي والبدع بكافة أشكالها.
كما عرفت أفريقيا أيضا المدّ الشيعي منذ نجاح الثورة الإيرانية وتغلغل فيها بصفة مهولة مجسما وجوده بمشاريع اقتصادية وثقافية مثل اقامة مصانع وتشييد معاهد وجامعات وتكوين دعاة بغية تطوير الفكر الشيعي ونشره على أوسع نطاق ممكن في أعماق القارّة.
لكن أن تحتضن أفريقيا السمراء الديانة الإسلامية وفسيفساءها الفكري والمذهبي هل يعني أنّها تخلت عن عاداتها و تقاليدها وأنماط حياتها الاجتماعية وخصيصتها الثقافية والدينية أم أنّ هناك خطوطا حمراء لا يمكن تجاوزها ؟
لقد أحدث الإسلام فعلا تحولات جذرية في عقيدة الإنسان الأفريقي ونظم حياته، لكن في الواقع مازالت بعض التقاليد والعادات الاجتماعية والممارسات الثقافية والدينية القديمة متأصلة في نفوس الناس وعالقة بأذهانهم، فالظواهر الطوطمية مثل تقديس بعض الحيوانات والاعتقاد بالسحر بصنفيه الأبيض والأسود أو النافع والضار وبالتالي حمل التعاويذ والتمائم من أحل الشفاء من الأمراض أو تحقيق النجاح، ظلّت إلى حدّ الآن تحكم ذهنية الإنسان الأفريقي وتوجّه سلوكه العام وممارساته اليومية، فجميع الفئات الاجتماعية تتعامل مع صانعي الطلاسم ومستخدمي علوم الأسرار والكهان بدءا من عامّة النّاس وصولا إلى خاصّة الخاصّة من كبار الشخصيات من مثقفين وسياسيين ورجال الأعمال والدين.
كما أن الاعتقاد بالجن والخوف منه أو التوسل إليه بطقوس وقرابين ما برحت عالقة في نفس الأفريقي المسلم وعقله الباطن… فقد حلّت ظاهرة تأليه الأشخاص وزعماء الطرق الصوفية والتوسل إليهم والتبرك بقبورهم محلّ عبادة الأسلاف وخاصة في البلدان الإفريقية التي طغت عليها الطرقية والتيوصوفية كما هو الحال في السنغال.
وعليه، وإن تبنت أفريقيا السمراء الإسلام منذ فجره، إلّا أنّها ظلت تحافظ على بعض موروثاتها الدينية القديمة وخصوصياتها الاتنية والاجتماعية والثقافية، وهذا ما جعل بعض الباحثين يطلقون على إسلام أفريقيا السوداء مصطلحات قد تكون غريبة عند البعض وهي “الإسلام الأسود” أو “الإسلام السطحي” أو “النموذج الأفريقي للإسلام”.
—————————————————————————–
* دكتور محمد المختار جي/ باحث في الحضارة الإسلامية والشؤون الإفريقية .
هامش/
(1) سيرة ابن هشام.
(2) الديانات لإفريقيا السوداء، ديشان هوببر ص12
ماشاءالله