تحاليل _ تحاليل سياسية _ ليبيا: هل يقتنع “ترامب” بإعادة بناء بلد لا يمثّل أولوية عند الأميركيين؟؟.
يتوقع خبراء مركز ستراتفور للأبحاث والدراسات الاستخباراتية تصاعدا في حدة الصراعات المتعدّدة في مختلف أنحاء ليبيا، خلال الربع الثاني من سنة 2017.
ويضيف المركز الأميركي أن العنف بين الميليشيات الموالية للحكومات المختلفة سيستمر، خاصة في العاصمة. وعلى النقيض من ذلك، سيكون الدعم الدولي للحكومات الليبية أقل انقساما.
وعلى الرغم من أنّ الاتحاد الأوروبي سيدفع من أجل أن تحل القرارات السياسية بدلا من المعارك المختلفة في ليبيا، ستبقى المفاوضات في طريق مسدود ولن تتم إعادة تجميع ليبيا ما لم تحدد الولايات المتحدة موقفها.
ولم تكن ليبيا مطروحة بشكل كبير في السياسة الخارجية خلال الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، لكن التحول الأخير الحاصل في سياسة البيت الأبيض الخارجية، خصوصا بعد الضربة العسكرية في سوريا، دفعت البعض إلى التغيير الذي سيشمل أيضا الموقف من الملف الليبي.
ودعّم هذا الرأي تصريح سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي خلال اجتماع لمجلس الأمن لمناقشة الأزمة الليبية، حيث أعربت فيه عن رغبة بلادها في أن ترى “جميع الأطراف في ليبيا تتوحد، وأن يكون هنالك حل سياسي موحد، وحكومة موحدة، وجيش موحد، لكي يستطيع الشعب الليبي التقدم”، وهو ما يرى العديد من الخبراء أنه أمر غير ممكن الحدوث ما لم تلعب الحكومة الأميركية دورا فيه.
لكن، وفي موقف متناقض مع تصريح هايلي قال الرئيس ترامب إنه لا يرى دورا لواشنطن في ليبيا. وجاء تصريح ترامب في موقف غريب التقطته وسائل الإعلام الأميركية والعالمية، حيث كان هذا التصريح ردّا على حديث لرئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتليوني عن مدى “حيوية” الدور الأميركي في إنهاء الصراع الليبي، ليتبعه ترامب بالقول “لا أرى دورا للولايات المتحدة في ليبيا”.
التناقض بين موقفي الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإيطالي، أشارت إليه شبكة سي أن أن الإخبارية الأميركية، عندما ذكرت في تقريرها أن ترامب لم يكن يضع سماعة الترجمة من الإيطالية إلى الإنكليزية عندما ألقى بقنبلته، في إشارة إلى أنه قد لا يكون سمع تعليق جنتليوني بخصوص الدور الذي يرى أن أميركا قادرة على لعبه في ليبيا، وبالتالي بدت إجابتاهما مختلفتين.
لكن، شبكة فوكس نيوز الأميركية اعتبرت أن موقف ترامب ليس إلا وفاء منه لسياسة تركز على الشؤون الداخلية للبلاد فخلال الحملة الانتخابية التي جرت العام الماضي، وعد ترامب بتقليل التزامات أميركا في الخارج من أجل أن يتمكن من التركيز على السياسة الداخلية.
ترامب بعيد عن ليبيا
يوافق هذا التحليل رؤية الخبيرة في شؤون شمال أفريقيا والمسؤولة عن مكتب ليبيا في وزارة الخارجية الأميركية خلال عهد الرئيس السابق باراك أوباما، ليديا سايزر، التي قالت في لقاء لها مع صحيفة المونيتر الأميركية “لا أستطيع أن أرى الرئيس ترامب يدافع عن سياسات تلزم دافعي الضرائب ببناء بلد لا يمثل أولوية للأميركيين، وكذلك حقيقة أن المساعدة في بناء ليبيا بطريقة تجعلها تتبنى تحولا ديمقراطيا تتطلب الكثير من الوقت والموارد”.
بينما يعتقد أحد أهم الخبراء الأميركيين في القضية الليبية والمدير السابق لمكتب شمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس باراك أوباما للفترة بين 2009 و2013، بين فيشمان أن على “الرئيس ترامب اتخاذ خطوة قوية نحو الأمام بخصوص الصراع الدائر في ليبيا، وعليه الاستماع عن كثب لحليفة الولايات المتحدة (إيطاليا)، وأن يعلن بوضوح دعمه لحكومة الوحدة في ليبيا وعملية السلام التي تشرف عليها الأمم المتحدة”.
وتساءل فيشمان “هل تستطيع إيطاليا أن تقنع ترامب بإصلاح ليبيا؟”. وخلص في تحليله، المنشور في مجلة فورين بوليسي الأميركية، إلى أن “القادة الأجانب يضطلعون بدور مهم في تعليم الرئيس دونالد ترامب السياسة الخارجية.
ومن الواضح أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الصيني شي جين بينغ والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ قد أثروا في مواقف ترامب من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وسوريا وكوريا الشمالية وحلف الناتو. وقد حذروه من التحولات الجذرية في السياسة ومن الواضح أنه أصغى مليا إليهم”.
لذا يعتبر أن “زيارة رئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني إلى واشنطن في العشرين من أفريل الجاري فرصة أخرى لترامب للاستماع لنصيحة حليف حول قضية هامة لم يتناولها البيت الأبيض علنا بعد، وهي ليبيا”.
أما كريم ميزران وإليسا ميلر خبيرا مركز الحريري للشرق الأوسط في أتلانتيك كاونسل فقد كتبا تحت عنوان “ترامب بخصوص ليبيا: ثم ماذا؟”، يقولان إن واشنطن “هي اللاعب الوحيد القادر على أن يقود جهدا شاملا من أجل التوصل إلى اتفاق تجمع عليه مختلف الأطراف الموجودة على الأرض في ليبيا، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن الولايات المتحدة قادرة بشكل فريد على الضغط على الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة في ليبيا لوقف دعمها للوكلاء على الأرض ودفع مختلف أطراف النزاع إلى الدخول في عملية مفاوضات أساسها حسن النوايا”.
ويوضح ميزران وميلر أن الإدارة الحالية للبلاد تنظر إلى جهود توطيد الاستقرار في ليبيا من جهة واحدة تتمثل في “عدم التزام الولايات المتحدة بلعب دور أساسي في الاستقرار، برغم المصالح التي يمكن للولايات المتحدة أن تتمتع بها، على المدى البعيد، جراء المزيد من الاستقرار في ليبيا، فانتشار الصراع إلى دول الجوار المتحالفة مع الولايات المتحدة بالإضافة إلى أوروبا سيهدد بشكل عام الأمن الغربي”.
يعتقد ميزران وميلر أن ترامب على الأرجح منح جنتليوني تطمينات بخصوص استمرار دعمه المجلس الرئاسي/ حكومة الوفاق الوطني الليبية المدعومة من الأمم المتحدة، إلا أنهما لا يريان أن ترامب “سيستجيب لنداء السراج في التدخل، ولن يرفع الاهتمام بوضع ليبيا كما كانت روما تأمل”.
فسحة أمل
مع ذلك يلمحان فسحة أمل لمشاركة ترامب في استقرار ليبيا، يعربان عنها بالقول “بالرغم من أن كلمات ترامب قد يفسرها البعض على أنها استبعاد لتدخل أميركي في ليبيا بشكل عام في ما عدا جهد محاربة داعش، إلا أنه قد يكون هنالك مجال لإيطاليا لحث الولايات المتحدة على تسليط بعض الضغط الدبلوماسي للضغط من أجل التوصل إلى الاتفاق، ومن أجل أن يحدث هذا، سيكون من الأهمية بمكان بالنسبة إلى أوروبا أن تبدو كجبهة موحدة في ما يتعلق بدعم المجلس الرئاسي/ حكومة الوفاق الوطني وعملية الأمم المتحدة”.
ونقلت صحيفة الغارديان عن دبلوماسيين ومحللين سياسيين، لم تسمهم لكن قالت إنهم مهتمون بالشأن الليبي، أن الرئيس الأميركي “لم يكن واضحا بشكل كلي” في ما إذا كان تصريحه يعني انتهاء “الدعم القوي للولايات المتحدة لحكومة طرابلس التي يقودها فايز السراج، أو أنه كان يشير ببساطة إلى أنه لا يرى الولايات المتحدة تقوم بدور عسكري في البلاد”.
بينما نقلت الصحيفة البريطانية المعروفة عن ماتيا توالدو، أحد خبراء مركز المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن تصريح ترامب “سيترك روسيا ومصر والجزائر تعمل على إعداد تسوية في ليبيا”.
ويذهب مراقبون آخرون إلى القول إن هذا هو المقصود من غياب التدخل الأميركي المباشر.
ويشير الخبراء إلى أن صنّاع القرار الأميركي يعتبرون أن الملف الليبي لم يحن وقته بعد، وفيما يتم التركيز على العراق وسوريا ومحاربة تنظيم الدولة الإسلامية فيهما، تراقب العين الأميركية عن بعد ما يجري في ليبيا تاركة المجال للأطراف الدولية والإقليمية لتلعب بكل أوراقها وتطرح كل أفكارها وحلولها وبالمثل تاركة الأطراف الليبية تتقاتل في ما بينها إلى أن تستنزف نفسها.
وإلى أن تحسم الإدارة الأميركية يبقى الوضع في ليبيا اليوم كما يصفه محلل الشؤون الأمنية في مركز ستراتفور سكوت ستيوارت عبارة عن خليط من أراض يسيطر عليها أمراء حرب بخلفيات قبلية، وتحركهم مصالح إقليمية.
وخلّفت السنوات الأخيرة من المعارك ضغائن كبيرة بين هذه الأطراف المتصارعة وهو ما من شأنه أن يزيد التحديات المقبلة صعوبة. والآن بعد تحطم البلد، ستكون مهمة إعادة تجميعه مهمة طويلة وشاقة.