تحاليل _ تحاليل سياسية _ بعد 100 يوم من حكم ترامب: وعود فريدة وإخفاقات أكيدة…! |بقلم: د. محمد مسلم الحسيني.
وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ناخبيه بسلّه من الوعود الاستثنائية غريبة الأطوار غامضة الملامح إبان حملاته الإنتخابية المكوكية في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل الوصول إلى كرسي الرئاسة، إستطاع من خلالها مداعبة مشاعر الكثيرين من الأمريكيين وكسب رضاهم. من بين تلك الوعود مثيرة الجدل: بناء جدار عازل على الحدود الأمريكية – المكسيكية لمنع المتسللين إلى الأراضي الأمريكيّة على أن تدفع المكسيك تكاليف بناء هذا الجدار، منع المسلمين عامة من الدخول إلى أمريكا كوسيلة تحوطيّة لمنع تسلل الإرهاب إليها، إلغاء قانون الرعاية الصحيّة الأمريكي المسمّى ” أوباما كير ” وإستبداله بقانون رعاية صحيّه جديد، ترشيد الإقتصاد الأمريكي وحماية التجارة الأمريكية من خلال تغيير بعض الإتفاقيات التجارية الدولية أو حتى إلغائها بما يلائم المصلحة الذاتية، تقليص الإنفاق الخارجي والمساعدات الممنوحة لبعض الدول وإجبار الحلفاء والأصدقاء على دفع تكاليف الحماية العسكرية الأمريكية لهم سواء كان ذلك على صعيد حلف الناتو أو على صعيد القواعد الأمريكية المنتشرة هنا وهناك في بقاع العالم، رد الإعتبار له من خلال كشف التلاعب بنتائج الإنتخابات الأمريكية الأخيرة وإثبات إدعاءاته بوجود أصوات فضائية مليونيه صوتت لغريمه في هذه الإنتخابات ، وأخيرا وليس آخرا وعد ترامب بتغيير قوانين الضرائب المفروضة على الأفراد وعلى الشركات من أجل رفع المستوى المعاشي للأمريكيين وخلق فرص عمل جديدة لهم.
حالما تسنم ترامب مقاليد الحكم في بلاده شرع بتوقيع إرادته التنفيذية المنتظرة لتحقيق وعوده وجعلها حيّة على أرض الواقع، إلاّ انه ” تجري الرياح على ما لا تشتهي السفن!”. بدأ ترامب إصدار أوامره وبدأ الرفض والتعطيل معها، حتى تجلى للجميع بان أحلام ترامب الوردية وإراداته ما هي الاّ بريق من أوهام لا مكان لها على أرض الواقع ولا حياة لها في ساحة الوجود، حيث إصطدمت أوامره بنواميس الإنسانية والحضارة فانهارت في مكانها أمام جبروت الواقع أو رجعت خائبة إليه!.
رفضت المكسيك دفع تكاليف الجدار العازل المزمع إنشائه على الحدود الأمريكية – المكسيكية حيث لا ترى نفسها ملزمة بدفع تكاليف إنشاء جدار هو ليس في مصلحتها ولا شأن لها فيه، فمن يريد أن يعزل نفسه بجدار عليه أن يدفع تكاليف هذا الجدار بنفسه. كان هذا الرد المكسيكي الواضح خلافا لما وعد به ترامب من إلزام المكسيك بدفع تكاليف هذا الجدار. هذا من جانب ومن جانب آخر، حتى لو لجأ ترامب إلي أن تدفع أمريكا تكاليف هذا الجدار فأنه ليس من المرجح أن يوافق الكونغرس الأمريكي على تخصيص ميزانية لذلك، حيث قد يبقى ترامب في حيرة من أمره ومن أمر تمويل تكاليف هذا الجدار مع البلد الجار والذي ربما سوف لن يرى النور أبدا.
أوقف القضاء الأمريكي أوامر ترامب التنفيذية بشأن منع مواطني سبع دول ذات أغلبية مسلمه من دخول أمريكا بحجة حماية أمريكا من عمليات إرهابية محتملة، فشكل ذلك صفعة قوية لتحمسه وكبريائه. وحينما أراد أن يتلافى هذا الموقف الصعب شرع بالتحايل على القانون وأصدر أوامر جديدة بثوب جديد منع من خلالها مواطني ست دول ذات أغلبية مسلمه من دخول الأراضي الأمريكية. لم تمر تعديلاته وأوامره الجديدة تحت إرادات القانون الأمريكي فتوقفت عن التنفيذ مرة أخرى وبقى ترامب محسورا أمام إرادات أقوى من إراداته مبنيّة على أسس المدنية وحقوق الإنسان لا على أسس العنصرية وإختلاف الدين والعقوبات الجماعية.
بعد فشله في تمرير إراداته بمنع بعض المسلمين من دخول الأراضي الأمريكية أراد أن يحفظ ماء الوجه وتغطية الفشل بنجاح في مكان آخر وذلك بتمرير قانون جديد للرعاية الصحية كبديل مناسب للقانون المتبع حاليا والذي شرعه الرئيس السابق باراك أوباما والذي سميّ بإسمه ” أوباما كير “. ولّد القانون المسمّى بإسم السلف عقدة نفسية لدى ترامب فوعد ناخبيه على إبطال هذا القانون وإستبداله بقانون آخر سمّاه البعض بـ ” ترامب كير” وهو قانون مجحف قد يحرم ملايين الأمريكين من ذوي الدخل المحدود من التمتع بالرعاية الصحية اللازمة. فشل ترامب بإقناع الأغلبية في الكونغرس الأمريكي بتبني مشروعه الجديد في مجال الرعاية الصحيّة مما حدى به إلى سحب هذا المشروع من التصويت. هذا الفشل أدى إلى خيبة أمل محسوسة لإدارة البيت الأبيض ولترامب بوجه خاص حيث خرج صفر اليدين مرة أخرى مما أعطي إنطباعا للآخرين بأن ترامب كان يطلق الوعود دون أن يدرك مدى قدرته على تحقيقها، حيث كانت وعوده وشعاراته تخالف الطبيعة وتتضارب مع الواقع وتتناقض مع ناموس الإنسانية.
مرة أخرى إرتطمت إرادات ترامب بصلابة الواقع حينما أراد تحميل حلفائه الأوربيين وغيرهم تبعات مالية مترتبة عن النشاطات العسكرية الأمريكية من أجل حماية الأصدقاء والحلفاء سواء كان ذلك على صعيد حلف الناتو أو على صعيد تلك الدول التي تحتمي بالخيمة الأمريكية. كان لقاؤه الأول بمستشارة ألمانيا ” انجيلا ميركل” خير دليل على عمق الهوة وحجم التفاوت بالأفكار والتطلعات بين الطرفين، فقد رفضت ميركل طلبات ترامب المالية كما رفض هو مد يد المصافحة لها أمام عدسات الصحفيين! الرفض الأوربي لطلبات ترامب وإراداته سواء كان على الصعيد المالي أو التجاري والإقتصادي، خصوصا بما يتعلق بإتفاقية الشراكة عبر الأطلسي للتجارة والإستثمار، وازاه رفض وإمتعاض من قبل دول العالم الأخرى ككندا والمكسيك اللتان تربطهما إتفاقيات وعلاقات تجارية حرة مع أمريكا كتلك المسماة بإتفاقية ” النافتا” والتي لا تروق لترامب وينوي تحويرها أو ربما إلغائها. خلافاته التجارية والإقتصادية والمالية لا تتوقف عند هذا الحد فحسب بل تتعدى ذلك، حيث هدد بحرب إقتصادية ضد الصين وبقطع المساعدات المالية عن الدول الفقيرة والمحتاجة ولكنه لم يفلح حتى الآن بأي إجراء في هذا المجال بل الأمور باقية على حالها تراوح في مكانها !.
أثبتت تحقيقات الجهات المختصة في إدعاءاته على وجود ما يقارب ثلاث ملايين صوت غير شرعي حسبت لصالح غريمه في الإنتخابات بأنها إدعاءات غير صحيحه وليس لها أساس. بنفس المعنى أحبطت ادعاءاته، من قبل الجهات التحقيقية المختصة، بوجود تنصت إستخباري على مكان سكنه في “برج ترامب” حيث أتهم بهذا التنصت الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. كما أن إتهاماته لوكالة الإستخبارات البريطانية بالتجسس عليه قد نقضت أيضا من خلال التحقيقات في ذلك ووصفت بأنها إدعاءات باطلة. كل هذه الإدعاءات غير الموثقة والمصبوغة بالضلالة والوهم أعطت صوره مشّوهة له وأظهرت وجود “وهم في الاعتقاد” قد يفسره البعض بأنه عارض من عوارض أمراض النفس أو العقل أو الشخصية.
الجولة الجديدة التي يزعم ترامب خوضها والتي ربما يتلقى بها الضربة القاضية هي تمرير مشروع الميزانية المالية الجديد والذي يحمل بين طيّاته إرادته بتخفيض الضرائب على الأفراد وعلى الشركات. الضرائب المزمع خفضها على الدخول المرتفعة تكون من 40 بالمئة إلى 25 بالمئة وعلى مدخولات الشركات الأمريكية من 25 بالمئة إلى 15 بالمئة، بينما تلغى الضرائب على الدخول المنخفضة. هذا التصور ربما لا يختلف عن تصوراته السابقة التي فشل في تحقيقها، إذ عليه أن يعوض ميزانية أمريكا المالية بمقدار يتراوح بين 2.5 إلى 4 ترليون دولار خلال السنوات العشر القادمة وهو حجم الخسارة في الإيرادات الضريبية الناتجة عن هذا التخفيض الضريبي. السؤال الذي ستصعب الإجابة عنه هو كيف سيعوض مؤسسات الضرائب المالية بهذه الخسارة الكبيرة خصوصا وهو عازم على رفع النفقات العسكرية بمقدار 10 بالمئة أي بما يقارب 54 مليار سنويا!؟.. هل سيستطيع ترامب إقناع الأغلبية في الكونغرس الأمريكي بمشروعه العجيب هذا هذه المرة؟… فشله في تحقيق مشروعه يعني فشله بجميع الوعود التي قطعها على نفسه أمام الأمريكيين، فهل هناك معنى ببقائه رئيسا فاشلا لأمريكا لم يحقق شيئا بما وعد!؟.
مهما يكن من أمر وحتى لو إفترضنا جدلا نجاحه في تمرير إصلاحاته الضريبية وموافقة الكونغرس الأمريكي عليها وهروبه من كفة الفشل هذه المرة، فهل سينجح من الهروب من براثن فضيحة إتصالاته المباشرة أو غير المباشرة مع المسؤولين الروس، حيث تكبر هالة الشك في هذا الموضوع يوما بعد يوم وتتبلور مستجدات للتحقيق وتتكشف خفايا وأسرار قد لا توحي بحسن التصرف وبراءة الذمة!؟. رغم كل هذا وذاك فوعوده المعلنة والسرية لروسيا بتحسين العلاقات معها ورفع الحصار الإقتصادي عنها لم تتبلور على أرض الواقع بشيء، بل على العكس، بوادر الشرخ الأمريكي الروسي بدت واضحة من جديد من خلال التحدي الأمريكي الواضح الذي تجلى بضرب سوريا عسكريّا خلافا لإرادة روسيا وبالتحضيرات العسكرية الجديّة لضرب كوريا الشمالية وهي أعمال لم يتجرأ عليها حتى سلفه أوباما من قبل!…كل هذه الأمور قد زادت التشنج الأمريكي الروسي مما يوحي بتصعيد خطير للخلاف بين الطرفين. وهكذا لم يكسب ترامب رضاء أصدقائه ولا ودّ أعدائه، بل تصرّف بلا ضوابط وبدون مقاييس حتى نال أدنى نسبة رضا شعبية له بعد المئة يوم الأولى من حكمه، وهكذا كان مثله مثل ” المنبت الذي لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى” !.