تحاليل _ تحاليل سياسية _ الأسباب العشرة لانتخاب “مارين لوبان” رئيسا لفرنسا؟. |بقلم: حمدي جوارا.
في أقل من أسبوعين سينتخب الفرنسيون رئيسهم الجديد في الجولة النهائية بين مارين لوبن وايمانويل ماكرون ولا شك أن المعركة الانتخابية احتدمت بين المرشحين منذ فوزهما في الجولة الأولى وشهد الفرنسيون من يومها وإلى الآن تقاذف إعلامي بين الاثنين.
وما زاد المشهد تعقيدا هو تقاطع المصالح السياسية بين الناخبين ووضعهم في موقع ما كان لهم أن يجدوا أنفسهم فيهم.
فإلى جانب أن معظم الناخبين لا يريدون مارين لوبن رئيسة للبلاد إلا أن ماكرون في نظرهم خرج من عباءة النظام الحالي وزاد على ذلك موقفه الذي يناقض السياسة المعتادة للأحزاب السياسية الفرنسية عبر جهازه الانتخابي الذي أسسه “إلى الأمام ” والذي ضمّ الكثير من الوجوه السياسية التقليدية إما من اليمين أو اليسار.
والحقيقة ؛ ورغم الدعم الذي حصل عليه ماكرون منذ ليلة الجولة للمرشحين الذين خرجوا من السباق إلى أن ثمة مخاوف لدى المتابعين من أنّ /لوبن ستحصل في النهاية على أغلبية المصوتين كما يبدو ذلك؛ وخاصة مع قوّة الهجوم التي بات بها المرشح الشاب مانويل ماكرون.
وهنا سنرسم خارطة سياسية للعريضة التي من أجلها سيصوّت الفرنسيون لمرشحة اليمين مما يجعلها ووفق هذا التقدير أن تحسم هذه المعركة الأخيرة.
أولا: دعوتها لإعادة القومية الفرنسية وإعادة المجد الفرنسي في الوطن، وأن الهوية الفرنسية أصبحت مهددة بفعل الهجرة وتتهم دائما أن الأطفال الفرنسيين لا يتقنون الفرنسية في المدارس الابتدائية حيث يجهلون أي شيء عن الجمهورية؛ وتذكر دائما أن الأجانب الذين يحصلون حتى على إقامات يجب عليهم أن يحترموا الهوية الثقافية للبلد واحترام مبادئ الجمهورية وتنتقد موقف غريمها /ماكرون بانه ينفي وجود هوية فرنسية واعتذاره للجزائريين عن الاستعمار الذي حصل لهم وهو ما ما حاولت استغلاله إعلاميا حينها.
ثانيا: الخروج من اليورو والعملة الموحدة : وهي ترى أن فرنسا ينبغي أن تخرج من الاتحاد الأوروبي والاستغناء عن العملة الأوروبية الموحدة وأنها لم يستفد منها المواطن الفرنسي العادي ، وترين العودة إلى العملة الفرنسية المحلية، وترين أن اليورو أثقلت كاهل الإنسان الفرنسي وان الحياة اليومية أصبحت غالية والأسعار مرتفعة بسبب قوة اليورو التي أصبحت كابوسا على الفرنسيين ومنذ 20 سنة والانسان الفرنسي يعاني من نقص في القدرة الشرائية ونقص في الدخل الفردي.
ثالثا : سدّ الباب أمام الشركات الغربية الأخرى وفي نظرها أنها سبب تصاعد البطالة لأن الشركات الأجنبية تبحث عن الربح ولا تهمها وضعية الفرد الاقتصادية وحين تغلق الحدود فيعني أن هذه الشركات لن تجد لها موطن قدم في البلاد؛ وهذه حقيقة نوعا ما، فالمسألة عندما تأخذ بضاعة في المواد الغذائية مثلا من التشيك أو النمسا، فالأيدي العاملة فيها لا تساوي في القيمة تلك في فرنسا. فتضطر الشركات الفرنسية للذهاب لتلك الدول لتستورد منها البضائع المطلوبة بسعر أقل فهي التي تستفيد وهي التي فيها-أي في تلك الدول- ستخلق فرصة عمل جديدة وتنتعش هي اقتصاديا وليست فرنسا، بالإضافة إلى غلاء القيمة الضريبية للشركات في فرنسا بحيث لا تتحملها الشركات الصغيرة كثيرا فتضطر لترك الساحة مع الشركات الكبرى.
رابعا : دعم القطاع الرسمي و العام والوظائف العمومية وقطاع التعليم والشرطة والجيش ، وخلق فرص جديدة في مجال الطب العمومي والرعاية الصحية وحتى رعاية الشيوخ والمسنين والذين صوتوا لها كثيرون ، وكذلك ذوو الإعاقة أو المعاقين وتقدر عددهم بالملايين ، و تعد بالزيادة في فتح خدمات أمنية وشرعية جديدة وكل ما يتعلق بالقطاع العمومي . وتتفق مع أنصار المرشح الذي حل رابعا /زان ليك ميلنشون في هذا ومن ثم سيذهب لنصرتها البعض منهم وان كانت تختلف معه في الايدولوجيا السياسية .
خامسا : العنصرية ضد الأجانب : ورقتها التي تربح بها كثيرا هي العزف على وتر كراهية الأجانب واتهامهم أنهم وراء المشاكل وأنهم من يحصلون على الوظائف بينما الشركات تتغافل الفرنسيين وتفضل الأجانب لأنهم أقل قيمة ؛ هي معه حق في ذلك لكنها تعرف أيضا أن الفرنسيين الذين توهم بالدفاع عنهم لن يعملوا في أعمال مثل عمال جمع القمامة ومنظفي الشوارع والقطارات وعاملي المطاعم وحاملي البضائع وغيرها من الأعمال الصعبة جدا والعمل في البناء وغيرها وإن كانت الشركات الأوروبية أيضا أخذت المشاريع الكبرى لأنها هي أقل تكلفة وأقل مساهمة في الضرائب حيث إن هذه الشركات تأتي مع موظفيها وحتى عمالها وتدفع ضرائبهم في بلدانهم الأصلية.
سادسا : كراهية الإسلام والمسلمين وان كانت تنفي أنها لا تعنيها كما ذكرت ذلك في خطابها البارحة لكنها وبسبب الأعمال الإرهابية وحتى قبل تنكل وتشهر بالمسلمين في كل مكان . وتوقف كلمة الإسلام الإرهابي وكل المنظمات السلفية والتي من أكبرها اتحاد المنظمات الإسلامية وأنها ستنهي عمله، حين تصل للحكم وأنهم يحملون خطابا إرهابيا وسلفيا متشددا، وتابع للإخوان المسلمين، وتدخل في هذا الإطار دول بعينها هي السعودية وقطر وتدعو لإنهاء العقود المميزة التي قدمتها فرنسا لهذه الدول.
ولهذا السبب سينتخب لها من هم الإسلام السياسي أو المؤسساتي في فرنسا حتى من أبناء المسلمين الأصليين وخاصة الذين يتبعون دولا من المغرب العربي حيث ما زالت بعضها وصية على الإسلام في فرنسا.
سابعا : مناصرتها لقضايا معينة مثل إلغاء قانون المثليين ومنع الإجهاض وعودة قانون الإعدام كل هذه المبادئ يعتبرها مسيحيو فرنسا الكاتوليك ضرورية فهي تخاطب تلك الجماهير بما يريدون وستكسبهم بكل تأكيد. ومعظم هؤلاء في الحقيقة كانوا مع المرشح اليميني /فرانسوا فيون وسيذهب معظمهم لـ “مارين لوبن” وإن دعا هذا الأخير للتصويت لماكرون .. ورئيس الحزب المسيحي أعلنت دعمها لها لهذه الأسباب والمرشح /ديبو تينيو رئيس حزب فرانسا الواقفة، والذي حصل على أكثر من 4% من أصوات الناخبين.
ثامنا : خبرتها في المواجهة الحوارية وقدم سنّها في المجال السياسي أكثر من مانويل ماكرون الذي لا تتجاوز خبرته الكثير في الحكم سوى 5 سنوات وهو شاب لا يتجاوز 39 ربيعا، وهذا الأخير يتهمها بأنها ليست لديها أي خبرة في إدارة البلاد وأنه على الأقل كان في الاليزيه كمستشار اقتصادي، ثم أنه كان وزيرا للاقتصاد، وكثير من الفرنسيين يخافون من ترشيح الرجل ويفضلون /لوبن بسبب ماضيها السياسي كرئيسة حزب الجبهة الوطنية ..
تاسعا : ورقة الجنسية الفرنسية : نعم وسيصوت لها فرنسيون من أصول افريقية وعربية وأجنبية لأنها جعلتهم يقتنعون أنهم أفضل مرتبة من غيرهم في فرنسا وأنهم فرنسيون كباقي الفرنسيين الأصليين البيض وأن الجميع يعاني من تدفق الأجانب وخاصة مع اللاجئين السوريين والأفارقة والعرب الذين يأتون بالآلاف كل سنة إلى فرنسا. وهذا الوضع ينبغي أن ينتهي حسب زعمها وأن منافسه :هو مرشح الأجانب والهجرة المكثفة فليختاروا بينه وبينها إذا أرادوا أمانا وفرصا في حياتهم اليومية.
عاشرا : خطابها للعمال وكل العمال الذين لهم عقود ثابتة أو مؤقتة وأنهم هم من يساهمون بضرائبهم ومساهماتهم للعاطلين عن العمل ومعظمهم أجانب في نظرها، والذين يحصلون على مساعدات الحكومة لهم في السكن والصحة وبدل البطالة وأن الحكومة تظلمهم بالضرائب لمساعدة الأجانب.
ونقطة أخيرة : سيصوّت لها القوميون الأفارقة وحتى غيرهم لأنها تدعو إلى عدم تدخل فرنسا في إفريقيا وتعلن بإنهاء منظمة الفرانكفونية وتنهي تصدير فرنسا عملة الفرانك سيفا؛ وتقول إن فرنسا لن تتدخل لفرض رئيس أفريقي بأيّ وسيلة كانت، وتدين تدخل فرنسا لسقوط القذافي وسقوط رئيس ساحل العاج السابق/لوران باغبو والتدخل الفرنسي في سوريا لإسقاط بشار الأسد لأنّها ترى أن فرنسا لا ينبغي أن تكون شرطي العالم بينما توجد في داخلها عمليات إرهابية ولا تستطيع أن تقاومها نتيجة انغماسها الشديد في الخارج.
فكل من يرون أنفسهم مع هذه الأفكار فإنهم سينتخبون لها إن لم أقل جلّهم وهم كثيرون ويوجدون في كل الأحزاب الأخرى ويتقاسمون جزءا من أفكارها.
فكل هذه الأسباب تجعلنا نرى أنها ستفوز لكن لم نقل أن المعركة حسمت لها. وسنتعرض في مقال قريب لفرص غريمها المرشح / إيمانويل ماكرون.