تحاليل _ تحاليل سياسية _ سياسيون ورجال دين تونسيون يدعون إلى «رفع القداسة» عن شخصية بورقيبة.
دعا سياسيون ورجال دين تونسيون إلى «رفع القداسة» عن صورة الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، مشيرين إلى أنه يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في البلاد، فيما كشف موقع إخباري عن وثيقة تاريخية قال إنها تؤكد «خيانة» الزعيم الراحل لدماء التونسيين عبر اتفاقية الاستقلال التي وقعها مع فرنسا.
وكتب الداعية والباحث الديني الشيخ عبد القادر الونيسي على صفحته في موقع «فيسبوك»: «سعي محموم لفرض بورقيبة على الذاكرة الوطنية كصاحب الفضل الأوحد على البلاد وصانع مجدها وتاريخها الحديث. يسعون لإعادة إحتلال ذاكرتنا بعد أن حررتها الثورة بحديث لا ينقطع عن مكاسب البورقيبية. عن أي مكاسب يتحدثون؟ عن البنية التحتية أم عن الإزدهار الصناعي والإقتصادي أم عن التعليم الهجين الذي لا هوية له و الذي كان أداة لتزييف التاريخ والإنتقام من الهوية التي استقر عليها وضع البلاد منذ قرون فضلا عن هشاشته المعرفية وحصاد بمرارة العلقم؟ أم عن القمع والإستبداد و القتل الجماعي في الشوارع والتآمر على قضايا الأمة الجامعة؟».
وأَضاف «أعجب لمدعي الديمقراطية المفتونين بصاحب بدعة الرئاسة مدى الحياة في نظام جمهوري. وأعجب أكثر للذين نالهم نصيب من البطش البورقيبي لا يستحون من تصديع رؤوسنا بالحديث عن مكاسب وهمية تزلفا للنظام القديم و طمعا في فتات يلقى إليهم بين الحين والآخر. هولاء المزيفون يغفلون عن حقيقة اتفق فيها الوحي مع التاريخ أن أهل الثناء والفضل هم الذين كرموا الإنسان وليس من بنى إرم ذات العماد وجاب الصخر بالواد أو فرعون ذي الأوتاد. لعنهم الوحي والتاريخ لأنهم تعالوا في البنيان وأهانوا الإنسان. في المقابل لم يحمل عمر بن الخطاب و مالكوم إكس و غاندي إلا راية العدل و تكريم الإنسان فسيبقى الثناء مقرونا بإسمائهم ما بقي الزمان. في الختام أقر بعدل بورقيبة في أمرين: ندبات سوط جلاديه على ظهر كل من ثار ضد الطغيان و الفقر الذي وزعه بالعدل على مناطق الحرمان».
وتحت عنوان «بورقيبة موضوع دراسة وليس موضوع قداسة» استعرض الباحث إسماعيل بوسروال عدداً من الفرضيات والتساؤلات التاريخية (بصيغة النفي) حول شخصية بورقيبة والمنجزات التي قدّمها نظامه للبلاد، من بينها «هل أرسى بورقيبة نظاما ديمقراطيا يضمن التداول السلمي على السلطة؟ وهل كانت ثمة إنتخابات نزيهة في العهد البورقيبي؟ وهل قبل الزعيم بورقيبة بدور (الرئيس) أم أنه اعتبر نفسه (إلاهاً) لا يخضع للمساءلة؟ وهل سمح بورقيبة للرأي الآخر بالظهور؟ وكيف تصرف مع رفاقه الذين خالفوه؟ وكيف يرى الشباب والمرأة التونسية منجزات بورقيبة؟».
وكتب المفكر والنائب السابق عن حركة «النهضة» محمد الحبيب المرزوقي (أبو يعرب) تحت عنوان «عقوق البورقيبيين استعملوه في السراء وخانوه في الضراء»: «لم أكن أتصور أن رئيس دولة تجاوز التسعين من عمره قضى جله في أروقة السياسة تصل به السطحية إلى حد التوهم بأن التظاهر باعتبار بورقيبة نموذجه في نحت إسم آفل بالتحديث السلبي والعنيف يمكن أن يجعل الناس تنسى أنه مثل كل الذين يدعون الإنتساب إليه خانوه في أول ضراء حلت به. كما أنني لم أكن أتصور أن من نالوا من ابن علي أقل مما ناله بورقيبة منه يبقون على ضغينة ضده فلا يعترفون له بأنه على الأقل كان ضحية مثلهم ممن خانوا تونس فلم يشفع عندهم رغم أن من يعتبرونهم قدوة لهم تناسوا ما فعله أتاتورك في الإسلاميين أكثر مما فعله بورقيبة فيهم وحافظوا عليه رمزا لتركيا»
وأضاف «فلا مستغلوه من مافيا الحكم الحالية وهم أعداؤه استطاعوا التخلص من جعل السياسة عديمة الأخلاق ولا مستغلو الإسلام من مافيا المعارضة الحالية وهم مثله في الضراء التي أبانت خيانة بورقيبة من مستغليه استطاعوا العمل بروح الإسلام. لست أدري من أي طينة هي هذه النخبة السياسية المزعومة. لذلك فلا أعجب أن يكون السياسي في تونس أكثر المؤمنين بصدام الحضارات الداخلي ومن ثم فكلا الصفين يمثل كاريكاتور التأصيل وكاريكاتور التحديث ولا أحد منهما يفكر حقا في المستقبل المشترك للتونسيين فضلا عن المستقبل المشترك للأمة. وليست أعجب من أن يكونوا من توابع الحماة لحاجتهم للفُتات».
وتابع المرزوقي «كنت أتمنى أن يكون المحيون لذكرى بورقيبة من يظنون أعداءه لأن ما ناله من الخيانة والغدر ممن يستغلون إسمه الآن وعلى رأسهم رئيس الدولة الذي لم يحرك أصبعا للدفاع عنه في ضرائه وهو محام ثم يدعي إحياء ذكراه وتقليده قرديا في توهم الثورية بالتدخل في ما لا يعنيه من الدين. فما ناله من الغدر والظلم والعسف فاق ما حل به خلال نضاله باجتهاده التحديثي على ما فيه من الاستعمار ومن ثم فهو ضحية مثله مثل الإسلاميين (…) وما زلت أعتبر نفسي بورقيبيا رغم أنني كنته لما كنت شابا ليس لي علم وقتها بما لو فكرت فيه حينها لكان حكما على النوايا. وأعتقد أن مصلحة البلاد الإلتفات إلى المستقبل وتحقيق شروط اندمال الجروح حتى لا يستفيد من خانوا بورقيبة عندما استخدمهم ابن علي من رمز وطني من الماضي».
من جانب آخر، نشر موقع «الصدى» الإلكتروني وثيقة تاريخية تتضمن رسالة وجّهها مسؤول فرنسي في ليبيا لوزارة خارجية بلاده في خمسينيات القرن الماضي، وتحتوي نسخة من رسالة لصالح بن يوسف، حيث تشير الرسالة أن السلطات الفرنسية تراقب بقلق مواقف بن يوسف التي اعتبرت أنه يشكل «خطراً» على الاتفاق الموقع بين فريق الحبيب بورقيبة وفرنسا في العشرين من مارس 1956 (وثيقة الاستقلال)، حيث اعتبر الموقع أن الرساة تؤكد «خيانة» بورقيبة لدماء التونسيين عبر وثيقة الاستقلال التي لم تتضمن سيادة الدولة التونسية على ثرواتها، فضلا عن «ضلوعه» لاحقا باغتيال بن يوسف الذي كان على خلاف كبير معه.
وكانت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين أكدت أن الدولة التونسية تمتلك ستة في المئة فقط من نفطها المستخرج والذي تستحوذ عيه الشركات الأجنبية وفقط الاتفاقيات الموقعة منذ الاستقلال، وقالت إن القرار السيادي للبلاد ما زال «مصادراً» لصالح فرنسا، مشيرة إلى أن الاتفاقية الموقعة بين تونس وفرنسا قبل الاستقلال بعام (1955) مازالت جارية حتى الآن وهي تتضمن شروطا مجحفة بحق تونس وخاصة الشق الاقتصادي الذي قالت إنه يمنع الدولة التونسية من مراجعة العقود الموقعة خلال فترة الاستعمار الفرنسي مع الشركات الأجنبية التي تنقب عن الثروات الباطنية.
————————————————————————————
*حسن سلمان.