تحاليل _ تحاليل سياسية _ تحوير وزاري يعيد صداع ” العقدة ” البورقيبية ! | بقلم: إسماعيل بوسروال.
عقدة البورقيبية 1983 تُخيُم على تونس 2017
أحدث التحوير الوزاري المحدود ( 25 فيفري 2017 ) زلزالا امتدّت اهتزازاته في الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية و قد تكون له تداعيات تسري في الحياة السياسية لمدة متوسطة أو طويلة .
لقد تمحور التحوير الوزاري أساسا حول ” إقالة ” وزير الوظيفة العمومية سي عبيد البريكي من مهامّه في خطوة استباقية تمنعه من أن يخرج “زعيما” وطنيا وبديلا ثوريا من خلال تقديم استقالته بشكل استعراضي كما يحدث في الدول الديمقراطية العريقة.
سيناريو شبيه تماما بما سلكه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في عدد من الحالات ومن أهمها ما حدث سنة 1983 مع وزير الإعلام الطاهر بلخوجة .
كانت البلاد التونسية تعيش في تلك الفترة تحت نظام الحزب الواحد و في تداخل كامل بين الدولة والحزب حيث يتدخّل ممثّلو الحزب الدستوري في عمل السلطة التنفيذية كالوالي والمعتمد بل تسمح لهم صفاتهم الحزبية أن يتدخّلوا لدى مراكز الشرطة وجهاز القضاء.
كان ذلك نتيجة التراجع عن (الانفتاح) وهو المسار الديمقراطي الذي وعد به الوزير الأول آنذاك المرحوم سي محمد مزالي وهو تراجع أملاه الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة ووزيره القوي في الداخلية سي إدريس قيقة من خلال تزييف الانتخابات التشريعية 1981 باعتراف المرحوم مزالي نفسه في ما صرّح به في قناة المستقلة .
صرّح سي الطاهر بلخوجة آنذاك أنه يجب أن يتمّ ” فصل الحزب عن الدولة ” ومن بين المسوّغات التي أوردها قال (حتى لا يتحمل الحزب الدستوري) أخطاء قد يرتكبها جهاز الدولة .
لكن الزعيم بورقيبة لم يستسغ مثل هذه ” الأفكار التحررية ” فانبرى مدير الحزب آنذاك سي المنجي الكعلي ليقول انه لا يمكن فصل الحزب عن الدولة وأكّد أنّ الدولة هي الحزب وأنّ الحزب هو الدّولة و أضاف أنّ الحزب يتحمّل مسؤولية نتائج أعمال جهاز الدولة.
ثم صدر بلاغ إقالة الوزير الطاهر بلخوجة .
وجاء في تعليق المحرّر السياسي للتلفزيون الرسمي أنّه بمجرّد ” جرّة قلم ” أُقيل الطاهر بلخوجة .
كان ذلك سنة 1983 في تونس تحت حكم بورقيبة
تكرّر نفس السيناريو في تونس 2017 بإقالة الوزير عبيد البريكي .
أي أنّنا { ترجعوا وين كنّا } … وهي العبارة التي استخدمها الزعيم بورقيبة ـ اثر أحداث الخبز 1983 ـ بإعلانه إلغاء الزيادة في سعر الخبز .
لقد تمّ اعتماد المنهج البورقيبي عندما عالج رئيس الحكومة (حسب الظاهر، ولكني أعتقد جازما أن العقل المدبّر هو رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي) الدور المتميّز للوزير عبيد البريكي بصفاته الإنسانية و تجربته النقابية ودوره البارز في إطلاق إصلاحات ذات تأثير في الوضع التونسي.
ما يختلف عن السلوك البورقيبي في إقالة وزير عبّر عن رأيه سنة 1983 و في سلوك ” بورقيبي ـ جديد ” سنة 2017 متمثل في إقالة الوزير عبيد البريكي هو أنّنا في عهد مختلف بفضل مكاسب ثورة الحرية والكرامة ومنها حرية التعبير و حرية العمل السياسي.
تكريس العقدة البورفيبية في تونس ما بعد الثورة
للزعيم بورقيبة مناقب عدّة ويحنّ إلى عهده عديد التونسيين ، لا أنكر فضل الزعيم وحكمته ورجاحة عقله في شؤون سياسية واستراتيجية لكنّ علاقته بالديمقراطية وبالتداول السلمي على السلطة وبحرية التعبير والتّنظم علاقة عدائية، وقد دفع ثمن ذلك من خلال ” تحوّل 7 نوفمبر ” ومعاناته الطويلة في ” الإقامة الجبرية “.
عقدة البورقيبية تظهر اليوم لدى رئيس الجمهورية حاليا { سي الباجي قائد السبسي } ورئيس حكومة الوحدة الوطنية { سي يوسف الشاهد } من خلال إعادة إنتاج نفس المواقف البورقيبية الانفعالية في سياق مختلف يتصف بحرية التعبير وبحركية المجتمع المدني وكان عليهما الاستلهام من البورقيبية وتجنّب أخطائها ونقائصها كي لا نصل إلى ” تحوّل نوفمبري جديد ” .
اختبار ” التوافق ” يواجه “عقدة ” البورقيبية
تمثّل حركة النهضة رافعة رئيسية للانتقال الديمقراطي من خلال مواقفها المسؤولة وإدراكها لهشاشة الأوضاع الإقليمية وتخطيط أطراف شرّيرة للانقضاض على الديمقراطية الناشئة، إنّ سياسة التوافق تخدم أمن البلاد واستقرارها ولكن الشريك الرئيسي وهو نداء تونس وأساسا مؤسّسه سي الباجي قائد السبسي ذهب بعيدا في استغلال سياسة التوافق لفائدته لتدعيم حكم حزبه للدولة وسيطرة أفراد من عائلته على مفاصل الحكم، ولذا نرى في البيان المشترك الأخير للنهضة و النداء إنذارا مع تأجيل التنفيذ يتمثّل في ضرورة اعتماد ” التشاور ” مستقبلا .
فهل تخلص حركة النهضة أنصار البورقيبية من “عقدة “ممارسة السلطة بعقلية “الحاكم بأمره”؟