تحاليل _ تحاليل سياسية _ يوسف الشّاهد.. رقص على الحبال المتحرّكة.
باستقالة 8 نواب من كتلة نداء تونس وانضمامهم إلى كتلة الائتلاف الوطني النيابية المؤيّدة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، يكون الأخير قد سجّل نقطتين هامتين ضمن سجال الحرب السياسية المعلنة والدائرة بينه وبين الرئيس التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي.
النقطة الأولى كامنة في توسيع دائرة الداعمين للشاهد وحكومته صلب الندائيين، والذين تجمعهم به لا فقط عناوين الحرب على الفساد وشعارات تكريس “القوة العامة”، بل أيضا التناقض مع السبسي الابن واعتباره عنصر توتّر واستفراد بالحكم داخل الحزب.
النقطة الثانية متمثلة في تنسيب خطاب شق السبسي الابن بأنّ حكومة الشاهد هي حكومة النهضة عبر التدليل بأنّ خزانها التأييدي موجود في البرلمان وضمن كتلة نيابية واسعة ووازنة باتت اليوم الكتلة الثالثة في المجلس التشريعي، وفي كل يوم تقضم من الكتلة الندائية الأمّ نوابا جددا وبرلمانيين منتفضين ضد ما يسمونه الحرب الشخصية المعلنة من السبسي الابن على الشاهد.
المفارقة أنّ سلاح الاستقالات الوزارية والإقالات الحزبية الذي أشهره السبسي الابن ضد يوسف الشاهد سرعان ما ارتد ضده في ظل استعصاء النهضة عن الانخراط في حفلة اصطياد رأس الشاهد، فمعظم الوزراء الذين خُيروا بين الحكومة والحزب اختاروا الوزارة والحقيبة، وغالبية النواب الذين جُيروا ضمن مكاسرة سحب الثقة من الحكومة سرعان ما انضووا ضمن كتلة الائتلاف بعد استقراء لمعادلات الربح وتوازنات الحرب.
قد يكون إطلاق حكم تحليلي بأنّ الشاهد أتقن الرقص على الحبال السياسية سابقا لأوانه سيما وأنّ تونس تستعد لاستقبال شتاء سياسي ساخن، ولكن الأرجح أنّ السبسي الابن لم يحسن إدارة الحرب ضدّ الشاهد ولم يتقن بعد لعبة إرخاء الحبال وشدّها لإسقاط أفضل الراقصين.
سلاح الاستقالات الوزارية والإقالات الحزبية الذي أشهره السبسي الابن ضدّ يوسف الشاهد سرعان ما ارتدّ ضدّه في ظلّ استعصاء النهضة عن الانخراط في حفلة اصطياد رأس الشاهد.
في جزء من المشهد السياسي، تمكن الشاهد من تحييد السبسي الابن بفضل “فيتو” النهضة، وجملة المنتفضين القافزين من قاربه، ولكن يبقى الجزء الثاني وهو الأهم والمتمثل في المحافظة على سكوت النهضة وفق شروط الشاهد لا شروط مجلس الشورى. وذلك يعني أن يخوض الشاهد جولة سياسية ناعمة مع النهضة تكون مخرجاتها “البقاء على رأس الحكومة دون أن يقدّم تنازلا” في ما يخصّ ترشحه للانتخابات الرئاسية أو التشريعية القادمة.
فلئن تمكن الشاهد من البقاء في القصبة بفضل اختلاف وجهات النظر بين النهضة والنداء حوله، فهو مطالب اليوم بأن يسابق الزمن السياسي لتأمين مقعده في القصبة بعد التوافق المرجّح بين الشيخين (السبسي والغنوشي)، والذي بدأت تباشيره بقبول النهضة التفاوض حول النقطة 64 من وثيقة قرطاج 2، في حال رفض الشاهد تحويل حكومته إلى حكومة تكنوقراط تسييرية دون مآرب انتخابية.
وهو ما لن يتأتى إلا بتكوين كتلة نيابية وازنة تعتاش من مواسم الهجرة السياسية، التي تحركها رياح الرفض تارة ورياح المطامع السياسية الآتية من الاستحقاقات الانتخابية القادمة تارة أخرى.
فأن تبلغ كتلة الائتلاف خلال أقل من شهر أكثر من 40 نائبا، هو دليل بأنّ الشاهد يريد فرض مشهد واقعي على النهضة يجعلها تفكر قبل إعلان طلب “رأسه” ويلزم شقّ السبسي الابن إعلان الهدنة السياسية والإعلامية معه.
يلعب الشاهد أوراقه السياسية بشكل لافت ويدافع عن حظوظه وحقوقه الانتخابية أيضا بشكل جيّد، مستفيدا من أزمة البدائل المفقودة ومن المظلّة النقدية والسياسية الموجودة ومن الثقة الموؤودة بين الشيخين على خلفية تقرير الحريات.
في المقابل قد تصطدم حسابات بيدر الشاهد مع إكراهات الحقل السياسي التونسي، فمن يضمن للشاهد عدم توافق سريع بين الغنوشي والسبسي الذي لا يزال يحافظ على تأثير على أعضاء كثيرين من كتلة الائتلاف لطي صفحة الشاهد حفاظا على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في ظل تصعيد نقابي ودعوات إلى الإضراب العام؟
ومن يضمن للشاهد عدم تأمين الأربعين نائبا لمآربهم الانتخابية مع السبسي الابن مع تردّد أنباء رغبة السبسي الأب في الترشّح للانتخابات الرئاسية القادمة؟ ومن يقدر على تثبيت أرجل الشاهد على الحبال المتحرّكة وسط سياق اجتماعي غاضب ونذر أزمة اقتصادية شاملة قد لا تنتظر جانفي القادم للاشتعال؟.
_________________________________________________________________
*أمين ين مسعود | كاتب ومحلّل سياسي تونسي.