تحاليل _ تحاليل اقتصادية _ حقائق هامّة بخصوص خفض تصنيف تونس الائتماني |بقلم: الجمعي العليمي.
1– ماذا يعنى (تصنيف ائتماني) ؟
يعنى قدرة الدولة على سداد ديونها واحتمالات إفلاسها نتيجة عجزها عن سداد تلك الديون..
2- من الذي يصنّف الدول والمؤسّسات من هذه الناحية ؟
هناك وكالات متخصّصة في هذا الأمر تتولّى تصنيف الدول في هذا المجال..
3– هل تتمّ عملية تصنيف الدول بنزاهة وحيادية وطرق علمية ؟
الإجابة: لا..التصنيف يعتمد على (تقديرات) و(خبرات) و(معلومات) الوكالة التي تقوم بالتصنيف..ووارد جدا أن يحصل تلاعب وتوجيه وسوء نيّة في التصنيف..ووارد أيضا أن يحصل سوء تقدير غير مقصود..لكن ما يهمّنا واقعيا أنّه سواء كانت التقديرات دقيقة أو غير دقيقة..فهناك الكثير من المستثمرين يعتمدون على هذه التصنيفات قبل أن يستثمروا أموالهم في بلد أو مؤسّسة ما..وبالتالي التصنيف الإئتمانى السيّئ يؤثّر سلبا على الإقتصاد في النهاية حتى لو لم يكن ذلك التصنيف مبنيا على أسس صحيحة..
4– إن حصل تلاعب في هذه التصنيفات كيف يتمّ ذلك ؟
يمكن تشبيه الأمر بلعبة (الـ3 أوراق)…هل تعرفون لعبة الـ 3 أوراق ؟
في لعبة الـ 3 أوراق؛ من يدير اللعبة يتحدّاك أن تعرف الورقة الرابحة بعد أن يتلاعب بالأوراق أمامك ثم يخفيها وعليك أن تحدّد الورقة المطلوبة بعد أن أخفاها بعناية ومهارة فائقة..وهو يعتمد في مغالطتك والإيقاع بك على مساعدين له يقفون وسط الجمهور..وهؤلاء المساعدون يلعبون ويخسرون ويربحون وكأنّهم لا يعرفون صاحب اللعبة..وأنت تلاحظ الكيفية التي يخسرون بها؛ فيبدون أمامك حمقى ومغفّلين..وتتصوّر أنّك أكثر مهارة منهم فتنزل بثقلك وتخسر أنت أيضا..بنفس الطريقة..
عندما تريد هذه الوكالات أن تخسر دولة معيّنة..تتفق مع بعض الدول والمؤسّسات التي تقرضك على أن يشتكوا من عدم قدرتك على تسديد ديونك أو أن يقدّموا تقارير على أنّهم غير مرتاحين للوضع في بلدك أو أن يسحب مستثمرون عروضهم الاستثمارية ويبلغوا الوكالة بذلك ومن هناك تتولّى الوكالة إنزال تصنيفك..أو العكس..كأن يتفقوا مع رجال أعمال على الاستثمار في بلدك ثمّ يقدّمون تقارير على أنّهم مطمئنون على استثماراتهم هناك؛ فيرتفع تصنيفك..وكلّ هذا حسب المصالح السياسية أو الاقتصادية بين الوكالات والحكومات والمؤسّسات..
5– على مستوى العالم حاليا..هناك 3 مؤسّسات كبيرة تقوم بهذه التصنيفات :
مودي – ستاندارد أند بور – فيتش..
والوكالة التي واظبت على تخفيض تصنيف تونس هي “ستاندارد أند بور”.
أمّا المؤسّستان الباقيتان فلم تغيّرا تصنيفنا إلّا نادرا.
6– طيّب كيف كان تصنيف تونس وكيف أصبح ؟؟
تونس كانت دائما في الفئة B من التصنيف..
والفئة B يتراوح تقييمها ما بين (ما دون الإستثمار) و(خارج التوقعات)…
ويوجد أعلى منها درجات الاستثمار الآمن A
وهذه درجة لم ندخلها قطّ…
وأقل منها درجات المخاطرة..C
وهذه أيضا لم ندخلها أبدا..
في سنة 2005 وصلنا لدرجة BB+
وهذه أحسن درجة حصلنا عليها ..وقد حافظنا عليها حتى قيام الثورة..وهي درجة ما دون الاستثمار..وحاليا وصلنا لأقلّ درجة وصلنا إليها وهي b-
وهى درجة اقتصاد خارج التوقّعات…وإن نزلنا درجة أخرى سندخل مستوى (خطورة محتملة).
7– تم تخفيض تصنيفنا 3 مرات منذ بداية الثورة وبسبب الثورة وتداعياتها..
أولها في فيفري 2011 بعد قيام الثورة وفرار بن علي..وحينها نزلنا من bb+ إلى bb
ثم انخفض تصنيفنا ثانية بعد اغتيال شكري بلعيد ليصل b+
والمرّة الثالثة بعد عمليتي باردو سوسة الإرهابيتين ونزلنا فيها من b+ إلى b-
8– طيّب كيف يبدو وضعنا مقارنة بدول العالم الأخرى ؟
نصف دول العالم غير معنية بهذه التصنيفات أصلا..لعدم توفّر معلومات كافية ولعدم وجود استقرار في تلك الدول يسمح بتصنيفها أساسا..وهو شأن أغلب الدول الإفريقية تقريبا وكثيرا من دول آسيا…وهناك دول دوننا تصنيفا..مثل مصر وجميع الدول التي تشهد حروبا ومجاعات وما شابه..وهذه تدخل في تصنيف (المخاطرة)…لكن وضعنا ليس جيّدا مقارنة بالدول المستقرة..الدول التي لا تشهد مشاكل سياسية مثل دول أوروبا وأمريكا الشمالية ومعظم دول أمريكا الجنوبية ودول الخليج ودول شرق آسيا تصنيفها أحسن من تصنيفنا..وقد كانوا دائما أحسن منا..حتى في عهد بن علي..بسبب الاستبداد السياسي والفساد الذي كان مستشريا في تلك الأيام ..
9– هل هناك دول كبيرة تمّ تخفيض تصنيفها ؟
طبعا..أشهر دولتين تمّ تخفيض تصنيفهم الإئتمانى في السنوات الأخيرة..أمريكا وفرنسا مثلا نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية..وطبعا اليونان وأسبانيا والبرتغال وإيطاليا نتيجة المشاكل الاقتصادية التي حصلت لهذه الدول مؤخّرا..لكن مشكلتنا أن تصنيفنا أصلا لم يكن عاليا..فلما يتمّ تخفيضه تباعا يؤثّر ذلك علينا تأثيرا بالغا..بينما دولة كأمريكا تنزل من مرتبة عالية جدا لمرتبة أقلّ علوّا…وهذا لا يعني لهم شيئا ذا بال..بالضبط كما لو أنّ مليارديرا خسر مليون دينار..فرغم كونها خسارة كبيرة له..لكنه لن يجوع ولن يعلن إفلاسه…ولكن عندما يكون أحدهم أجيرا يعتمد على راتبه الشهري الذي لا يكفيه حتى نهاية الشهر إلّا بشقّ الأنفاس..فيضيع منه نصف المرتب فان ذلك يمثّل أزمة رهيبة بالنسبة له…
10– هل أنّ وكالة ستاندار أند بور تحديدا فوق مستوى الشبهات ؟
قطعا لا..ليست فوق مستوى الشبهات بشكل عام ومع تونس تحديدا بشكل خاص..
أولا: في كلّ مرة راجعت فيها ستاندارد أند بور تصنيف تونس كانت تتعلل بالأوضاع السياسية بغض النظر عن الوضع الاقتصادي والمالي للسوق التونسية..ومن المعروف أنّ الأوضاع السياسية تؤثّر لكن كوكالات متخصّصة المفروض أن يكون تقييمهم أعمق وأشمل من هكذا معايير..لدرجة أن ديفيد ويس الذي كان مديرا اقتصاديا في الوكالة حتى جويلية 2011 صرح في سبتمبر 2011 أنّ الوكالة تعتمد أساسا في تقييماتها على (كلام الجرائد)..
ثانيا: ستاندارد أند بور مملوكة لمؤسّسة ماكجرو-هيل وتدير هذه المؤسسة عائلة ماكجرو التي تربطها روابط عائلية بعائلة جورج بوش..وبربارا بوش عضوة في مجلس الإدارة..وهناك اتهامات صريحة أنّ سياسة بوش عندما كان رئيسا كانت تحت تأثير العلاقات العائلية مع عائلة ماكجرو
ثالثا: ستاندارد أند بور سبق لها أن أصدرت تصنيفات ائتمانية عالية جدّا وخاطئة لبعض المؤسّسات ممّا ترتّب عنها ثقة في غير محلّها في تلك المؤسسات..مما دفع الكثير من المستثمرين إلى ضخّ أموال طائلة فيها..ليخسروا مبالغ قدّرت بنصف مليار دولار أو ما يوازى 3 مليار دينار تونسي..
رابعا: لعبة الـ 3 أوراق المذكورة أعلاه ثبتت في حقّ ستاندارد أند بور التي ثبت أنّها تتقاضى أموالا مقابل التصنيفات..
خامسا: في سنة 2009 طلبت “ستاندارد أند بور” تغيير الحكومة الأيرلندية..ممّا استدعى انتقادات شديدة لهذه المؤسّسة لأنها تتدخّل في الشؤون السياسية الداخلية للدول تحت غطاء حماية الديموقراطية فاضطرّ القائمون على هذه المؤسّسة للاعتذار والقول بأنّه قد أسيىء فهمهم..
سادسا: هناك شكوك قويّة أن وكالة “ستانداراد أند بور” وبقية الوكالات المماثلة كونهم كانوا سببا رئيسيا في الأزمة المالية العالمية في سنة 2008 – 2009.