تحاليل _ تحاليل سياسية _ الاستقلال في السنغال: حدود الحقيقة وقيود الوهم. بقلم: د. محمد المختار جي*.
هناك جروح لا تندمل، ومآس لا يمكن محوها من ذاكرة الشعوب، وإن حاول المجرم بأيّ طريقة أو وسيلة التغطية على ماجنته يداه من جرائم وحشية محاولا تحسين صورته البشعة عبر ادعائه الالتزام بشعارات الحرية والاستقلال وحقوق الإنسان.
تعتبر السنغال واحدة من دول إفريقية كثيرة خضعت للاستعمار الفرنسي لحقبة طويلة من الزمن عانت فيها أشدّ الويلات من ترحيل وتصفية وبطش واسترقاق، كما عمد الاستعمار إلى تزوير تاريخ البلاد وتزييف ثقافتها ومسخ هويتها محاولا رسم معالم سياسته القذرة التي كانت تصبّ في هدف : فرنسة الشعب السنغالي وتدمير معالم تاريخه وهويته الوطنية وطمس رموزها…إضافة إلى قمع أيّ شكل من أشكال المقاومة مستخدما كلّ الوسائل والآليات لزرع لغة الغزاة وثقافة الغاصبين.
فعلا، لم يكن طريق إلى الحرية والاستقلال مفروشا بالورود والياسمين، فقد واجه الأجداد المحتلّين وقاوموهم بكلّ ما أوتي لهم من قوّة، فكافحوا وناضلوا وضحّوا إلى أن تمّ تحقيق الاستقلال حوالي عام 1960م. ومنذ هذا التاريخ، وفي كلّ رابع يوم من شهر أفريل نحتفل بعيد الاستقلال مبتهجين مهلّلين ورافعين رايات الاستقلال والحرية.
لكن، ونحن على بعد أيام معدودات من عيدنا الوطني واحتفالنا البهيج ، هناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح:
هل نالت البلاد السنغالية استقلالها الحقبقي؟ أو بعبارة أخرى هل حقّقت الدولة السنغالية أهداف الاستقلال وفلسفته؟ أم أنّ الاستعمار خرج من الباب ليعود من النافذة؟.
من المفارقات العجيبة أن نتغنّى وننشد أناشيد الاستقلال ومازلنا نستخدم لغة المستعمر ونعتبرها لغة رسمية في مؤسّساتنا التربوية والتعليمية والإدارية، ويلقي بها رؤساؤنا خطاباتهم الرسمية في عيد “الإستقلال الوطني “.
كما أنه من التناقضات أن نتشدّق وننفخ في أبواق الحرية وما زلنا نستعمل العملة الأجنبية، وشركاتنا أجنبية، و نبقى أسرى في قبضة الرجل الأبيض يأتينا منه كلّ شيئ حتى خبزنا اليومي.
فهل يمكن القول بالاستقلال الحقيقي (لا الوهمي) في حين ما زال رؤساؤنا يأتمرون بأوامر الغرب وثرواتنا تُهَرَّب إليها؟
في تقديري الاستقلال لا ينبغي أن يتعلّق أو يتمركز في إطار العيد أو بذكراه أو أن يصبح مجرّد مناسبة يتمّ الاحتفال بها… بل هو أعمق من ذلك…
إنّ الاستقلال -كما أراه- تصوّر كامل للحياة الجماعية بما يحفظ استقلال الدولة وكرامة الشعب..
إنّه استيعاب الكوني من خلال التراث اللساني والثقافي الخاصّ.
الاستقلال الحقيقي هو الاستقلال من رواسب الجهل والفقر والمرض، وتحقيق الكرامة والسيادة الكاملة.
الاستقلال الحقيقي هو أن نتحرّر بما في الكلمة من معنى من لغات الاستعمار وعملاته وجيوشه الجاثمة على ديارنا، وأن نمتلك غذاءنا ودواءنا و سلاحنا “إذ لا استقلال لشعب يعيش خارج حدوده “.
الاستقلال الحقيقي هو أن نستوعب ماضينا ونعتزّ بشخصيتنا وانتمائنا وتفتخر بهويتنا ورموزنا الوطنية ونعلّمها لأبنائنا وندمجها ضمن مناهجنا وبرامجنا التربوية والتعليمية.
الاستقلال الحقيقي هو أن نبرهن عن جدارتنا بمكانة محترمة ومعتبرة وسط الإقليم و في العالم، مع تحقيق شامل للتنمية والتقدّم والرفاهية يتمتّع بها جميع أبناء الوطن دون تهميش أو إقصاء.
————————————————————————————————————————————
جميل جداً، كلام يمثلني
كلمات أن تكتب بماء الذهب، و لا ندري إلى متى فرنسا، الله المستعان