قراءة هادئة في الضربة الأمريكية على سوريا. |بقلم: د. عامر السبايلة.
الجمعي الصحبي العليمي
8 أبريل، 2017
تحاليل سياسية, غير مصنف
1,364 زيارة
تحاليل _ تحاليل سياسية _ قراءة هادئة في الضربة الأمريكية على سوريا. |بقلم: د. عامر السبايلة*.
لم يكن من المستبعد انتقال الإدارة الأمريكية إلى مرحلة شن هجوم عسكري على سوريا، خصوصاً بعد التسريع الأمريكي الأخير وتبني موقف تصعيدي تجاه سوريا في اليومين الأخيرين على خلفية مجزرة خان شيخون.
الحقيقة أنّ أي قراءة متأنية لطبيعة التحرك الأمريكي تشير بوضوح أن موقف الإدارة الأمريكية مرتبط بأجندة سياسية و اهداف ترغب الإدارة الأمريكية بتحقيقها، و ليست كما تبدو الأمور بانها انقلاب مفاجئ في المواقف مرتبط بحدث معين كالحديث عن تغير موقف الرئيس بعد رؤيته لصور المجزرة الأخيرة في سوريا.
التحليل المنطقي يشير إلى أنّ التحرّك الأمريكي الخارجي قد يكون في جوهره هروباً من ضغوط داخلية.
إنّ حجم الضغوطات التي تتعرّض لها إدارة ترامب في الداخل الأمريكي يفوق أيّ تصوّر.
يبدو أنّ اتهام هذه الإدارة بالتواطئ مع روسيا كان له الأثر الأكبر في تبنّي فكرة التصعيد الأمريكي خصوصاً في سوريا، بحيث تظهر إدارة ترامب على أنّها تواجه روسيا وتصطدم بسياساتها مما يمكّن ترامب وفريقه من الردّ على كافة الاتهامات ودحضها بعد أن بدأت هذه الاتهامات بالإطاحة بأفراد إدارة ترامب واحداً تلو الآخر حيث وصلت الأمور إلى زوج ابنته كوشنير.
لهذا فإنّ التحرّك العسكري المحدود في سوريا يبدو كافياً لإعطاء الانطباع بأنّ ترامب في حالة مواجهة مع موسكو، لا بل يقوم بضرب مصالحها ويعيد فرض وجود الولايات المتحدة مجدّداً في المنطقة على عكس كافة الاتهامات التي تسوّق تماهي إدارته وانسياقها وراء موسكو.
أمّا الحديث عن العمل العسكري في سوريا فهو فعلياً يهيئ الجميع إلى تواجد عسكري أمريكي في سوريا، وهو أمز تعمل الولايات المتحد عليه منذ شهرين تقريباً، لا بل تجري الاستعدادات له على قدم وساق.
من الواضح أنّ إدارة ترامب اتخذت قراراً بضرورة أن يكون تحرير الرقة من قبضة داعش بوابة عبور للرئيس الأمريكي نحو نسف صورة الإدارة الأمريكية السابقة غير القادرة على محاربة الإرهاب وتؤسس لللعلان عن وجود أمريكي في سوريا.
معظم التقارير الأمنية تشير إلى تعاظم التواجد الأمريكي في سوريا والعمل على تهيئة القوات الكردية لتكون شريك للقوات الأمريكية في عملية استعادة الرقة التي لا تبدو أنها تقتصر على عمليه استعادة أو تطهير من تنظيم داعش بل تبدو في جوهرها عملية استيطان أمريكي طويلة الأمد لمنطقة الجزيرة وبالتالي الحديث عن وضع اليد الأمريكية على حقول النفط والغاز في تلك المنطقة.
الاحتفاء الإسرائيلي بالضربة الأمريكية في سوريا يشير بوضوح أن تل أبيب ترغب في توظيف الحضور الأمريكي تجاه إعادة تثبيت حالة التوازن العسكري السائد في المنطقة.
الشهر الماضي شهد إرسال رسالة روسية قوية لإسرائيل، خصوصاً عبر الرد السوري على استهداف الطائرات الإسرائيلية المغيرة على سوريا كردّ على التحرّك الإسرائيلي الأمر الذي أوحى بتغير جذري في سياسة الردع في المنطقة.
إسرائيل التي لم تستطع منع التواجد الروسي العسكري في سوريا تعايشت مع هذا التواجد إلّا أنّها اليوم تجد بالتدخل الأمريكي فرصة لإعادة رسم الأمور وترتيب التوازنات من زاوية ضرورة ألّا تفكر موسكو في تغيير معادلة الردع في هذه المنطقة، لهذا أصرّت الحكومة الإسرائيلية على التأكيد أنها كانت على اطلاع على تفاصيل و موعد الضربة الأمريكية بطريقة بدت و كأنها شريك في الضربة.
الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا هي ضربة محدودة لكنها ضربة لها رمزية كبيرة، فهي تشير أنّ الولايات المتحدة باتت حاضرة و راغبة بالتدخل على الأرض في سوريا.
لهذا فإنّ خيارات التصعيد أو التهدئة اليوم ترتبط بقدرة جميع الأطراف على البحث عن مخرج سياسي للأزمة في سوريا، فالولايات المتحدة مهتمّة بالشّرق السوري، أمّا روسيا فقد استوطنت السّاحل المتوسطي وإسرائيل ترغب بإعادة رسم الأمور في المنطقة وفقاً لرؤيتها ممّا يعني أنّ احتماليات الحرب والمواجهة تضعف أمام بروز خيار التسوية الإقليمية التي تضمن لإسرائيل مصالحها وتثبّت قواعد الحرب وموازين القوى في المنطقة، وتضمن كذلك للولايات المتحدة مصالحها ولا تؤثّر على مصالح روسيا في سوريا والمتوسط.
لهذا فإنّ بوابة التسوية الكبرى قد تكون المخرج الوحيد الذي يساعد الجميع على الحفاظ على المكتسبات وعدم الاضطرار لدفع خسائر كبيرة عبر فكرة المواجهة والحرب.