تحاليل _ تحاليل سياسية _ ليبيا في حاجة إلى تجاوز كمّاشة الصوملة والبلقنة. |بقلم: محمد بن امحمد العلوي*.
ليس من مصلحة دول الجوار الليبي أن يبقى الوضع غير المستقر على حاله، فزحف قوارب المهاجرين وتسلل مخططي العمليات الإرهابية من سواحل ليبيا نحو الدول الأوروبية أضحى مقلقا لكل المتدخلين في صنع القرار الأمني بأوروبا، وأي محاولة لزيادة تأزيم الحالة الهشّة سياسيا وأمنيا واجتماعيا في ليبيا سيعزز حواضن الإرهاب وإعطاء التطرف مبرّرا لتكريس موقعه.
يدفع الوضع الليبي الحالي العديد من المتدخلين الدوليين إلى التحرك لتطويق الأزمة والبحث في إنعاش الحلول المقترحة، ومن ضمنها اتفاق الصخيرات الذي وقعته الأطراف المتنازعة في العام 2015 بمدينة الصخيرات المغربية.
ولم يعد خافيا أن تكثيف الجهود الدولية والإقليمية لتعزيز الحل السياسي أصبح المدخل الأساسي لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا التي دخلت في أفق سياسي مسدود وخطير منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في العام 2011.
تأكيد مارتن كوبلر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالرباط في 10 أبريل 2016 على أنه يتعين تشجيع تنفيذ اتفاق الصخيرات بشكل جديّ كما يجب العمل على أن يظل هذا الاتفاق هو الإطار للعملية السياسية يدعم ما صرح به سابقا في تونس بتاريخ 22 فبراير 2017، في أن تطبيق هذا الاتفاق لم يكن مثاليا في عدد من المسائل ولا بد أن يخضع للتعديل حتى يتلاءم مع تطلعات مختلف الأطراف السياسية الليبية.
وبالتالي فالمعنى من كلام كوبلر هو أن اتفاق الصخيرات يبقى إطارا صالحا للمداولة السياسية بين الفرقاء السياسيين بليبيا للوصول إلى اتفاقات تحفظ للبلاد وحدتها واستقلالها، ودفعهم إلى الحوار والتوافق على تسوية تضمن الأمن والاستقرار للشعب الليبي ولدول المنطقة في ظل مشهد سياسي ليبي مشتت.
نفس الرأي عبّر عنه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة عندما وصف اتفاق الصخيرات بأنه مرجع أساسي لتسوية الأزمة الليبية معتبرا أن الخيار العسكري لن يساهم في استقرار ليبيا.
فهل هذه المحاولات الحثيثة يمكن اعتبارها استباقا لأيّ مغامرة عسكرية تزيد من الفوضى وتعصف بالوضع الإقليمي ككل المهدد بضربات الإرهاب والفوضى ودوامة الحرب والنزاع المسلح؟
من الواضح أن الدول المعنية بالوضع الليبي تحاول تجنب الوقوع في فخ التدخل العسكري في بلد مترامي الأطراف تنتشر فيه الأسلحة وأضحي بيئة خطيرة لتحالف الجماعات الإرهابية مع الجريمة المنظمة، ما يصعّب من مهمة ضبط الحدود ومرور السلاح والجهاديين.
الخيار العسكري بليبيا تحت أيّ غطاء أو تبرير لا يخدم أيّ جهة إقليمية أو دولية على المدى المتوسط والبعيد إذا كانت تسعى إلى استقرار وأمن المنطقة وأمنها على اعتبار أن الوضع بالشرق الأوسط وخصوصا بسوريا يرخي بظلاله على أيّ قرار غير محسوب في ليبيا سينعكس سلبا على الدول القريبة جغرافيا ومنها أوروبا. وأيّ مبادرة سياسية لحل الملف الليبي المعقد يجب دعمها وتطوير آليات تطبيقها.
الواقع الليبي مشحون ولا يتحمل تجريب طبخات المتدخلين الدوليين باقتراح حلول لا تراعي الوضعية الاجتماعية والثقافية والجغرافية لهذا البلد المتوسطي، فالحل على مقاسات خارج البيئة المحيطة بليبيا لا يخدم سوى تأزيم الوضع أكثر وتكريس النموذج الفوضوي تخدمة بلا شك مصالح الجماعات الإرهابية ومن يدعم تواجدهم بالمنطقة.
ونعتقد أن ما تم تداوله مؤخرا عن خطة سيباستيان غوركا لتقسيم البلد يذهب في اتجاه تعميم الحرب الأهلية بالمنطقة ككل، ونرى أن مخطط التقسيم ليس جديدا فهو الأُسُّ الذي قامت عليه أهداف مخطط الفوضى الخلاقة الذي روجته كوندوليزا رايس بدعم الإسلام السياسي كمقدمة لتعميق الأزمات الاجتماعية والسياسية.
نوايا نائب مساعد دونالد ترامب سيباستيان غوركا الذي كشفتها الغارديان البريطانية في الدفع باتجاه تقسيم ليبيا إلى ثلاث مناطق ليست جديدة، فقد سبقها منذ العام 2012 مخطط التقسيم إلى دولة للطوارق تبدأ من غدامس إلى غات وأخرى بسبها وأوباري وإليزي بجنوب الجزائر إلى شمال مالي والنيجر، ودولة التبو من منطقة غدوة شرق سبها إلى الكفرة وحدود السودان وشمال شرق النيجر وشمال التشاد.
وما تم تسريبه على أساس أنه خطة رسمها سيباستيان غوركا على منديل عند لقائه أحد الدبلوماسيين الأوروبيين خلال الفترة الانتقالية للإدارة الأميركية لا يعد سوى بالونات اختبار لنوايا حقيقية لتقسيم المنطقة ككل وما ليبيا سوى بداية الخطة.
ومن يفهم طبيعة النظام الأميركي وطريقة اشتغاله يعي بأن تداول السلطة بين الجمهوريين والديمقراطيين يخدم استراتيجية المصالح الكبرى لبلدهم رغم اختلاف منهجية التطبيق وآلياته.
ويبدو أن خطة إداراة باراك أوباما الديمقراطي كانت تقضي بترك الأمور تتفاقم أكثر بليبيا بالرغم من تحميله حلفاء أميركا الأوروبيين مسؤولية تخليهم عن الانخراط بفاعلية في الشأن الليبي، إلى أن هاجمت طائرات دون طيار في يناير الماضي معاقل داعش بالقرب من مدينة سرت الليبية تمهيدا لأدوار إدارة ترامب في المنطقة.
ولهذا نقدّر أن رئيس المجلس الأعلى للدولة عبدالرحمن السويحلي ربما يعي مسلّمة التدخل الأجنبي بعدما اقترح في افتتاح أعمال الاجتماع العادي السادس عشر للمجلس الاثنين 10 أبريل 2017 في العاصمة طرابلس تشكيل فريق حوار والشروع في مفاوضات مباشرة وجادة وسريعة مع مجلس النواب على أرضية الاتفاق السياسي للخروج من الأزمة الراهنة ورفع المعاناة عن الليبيين في أسرع وقت ممكن.
ما يحدث في سوريا لا يمكن خروجه عن خطاطات توزيع للأدوار بين القوى العالمية المؤثرة فيما يتعلق بصناعة الحدود والخرائط الجيوسياسية في العالم وبشكل خاص بين ضفتي البحر المتوسط. وما الضربة الصاروخية التي شنتها الولايات المتحدة ضد مطار الشعيرات في محافظة حمص فجر الجمعة 7 أبريل الجاري إلا إيذان بتدشين وظيفة تدخلية لإدارة ترامب في المنطقة تبعها تسريب خطة غوركا في ليبيا.
——————————————————————————————————
* محمد بن امحمد العلوي / كاتب مغربي.